للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالت: "فتشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين جلس ثم قال: "أما بعد، يا عائشة، إنه بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه. فإن العبد إذا اعترف ثم تاب، تاب الله عليه ... " قالت عائشة: فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقالته قلص دمعي١، حتى ما أحس منه قطرة. فقلت لأبي: أجب رسول الله عني فيما قال، فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ فقلت لأمي: أجيبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما قال. قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: والله إني لا أجد لي ولكم مثلًا إلا أبا يوسف حين قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ٢.

ثم تحولت واضطجعت على فراشي والله يعلم إني -حينئذٍ- بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن -والله- ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيًا يتلى، وإنما كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام٣ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجلسًا وخرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء٤ حتى إنه لينحدر منه العرق مثل الجمان٥ وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي أنزل عليه ...

قالت: فسري٦ عن رسول الله وهو يضحك، فكانت أول كلمة أن قال: "يا عائشة: أما والله فقد برأك الله"..

فقالت لي أمي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمد إلا الله -عز وجل.


١ أي توقف وانقطع.
٢ سورة يوسف، الآية ١٨.
٣ أي ما قصد، تعني أنه لم يترك مجلسه ذلك.
٤ شدة تكون عند نزول الوحي.
٥ الجمان: اللؤلؤ.
٦ أي زال غمه وبان السرور عليه.

<<  <   >  >>