وأما رجوع المسلمين دون أن يؤدوا نسك العمرة في هذا العام، وتأخيرهم إلى العام الذي يليه، فهو حل متوسط ليس فيه ميل إلى أحد الجانبين.
وأما الشروط التي يلزم المسلمين برد من ذهب إليهم مسلمًا من قريش، ولا يلزم قريشًا برد من ارتد عن الإسلام إلى المدينة، فهو شرط في مصلحة المسلمين، لأن من يرتد عن الإسلام يصبح وجوده في صفوف المسلمين كالمرض في الجسم السليم، فالشر في وجوده لا ريب فيه، والتخلص منه خير من بقائه.. وأما من يسلم من قريش فإن رجوعه إليهم بعد إسلامه خير للمسلمين وضرر على القرشيين، ولا غرو، فقد يهدي الله به قومًا آخرين إلى الحق، على أنه مهما طال الزمن، فإن الله سوف يجعل له مخرجًا من دار الكفر إلى دار الإسلام.
وقد كشف المستقبل القريب بعد ذلك على أن هذا الشرط الذي فرحت به قريش قد سبب لها كثيرًا من المتاعب، حتى أرسلت إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- طالبة إليه أن يبطله، وألا يرد إليهم من جاءه مسلمًا.
وذلك أن أبا بصير بن أسيد الثقفي -رضي الله عنه- تمكن من الفرار من قريش بعد إسلامه، فلما وصل إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة أرسلت قريش في أثره رجلين يطلبان تسليمه، فأمره -عليه السلام- بالرجوع معهما، فقال: يا رسول الله أتردني إلى الكفار يفتنوني في ديني بعد أن خلصني الله منهم؟ فقال:"إن الله جاعل لك ولإخوانك فرجًا". فلم يجد بدًّا من اتباعه. فرجع مع الرجلين، فلما قارب ذا الحليفة عدا على أحدهما فقتله، وهرب الآخر منه ١.
وحينئذٍ رجع أبو بصير إلى المدينة وقال: يا رسول الله وفت ذمتك، أما أنا
١ والقصة في البخاري ٢٥٨١ وغيره، وانظر ما قدمنا من المصادر أول الغزوة.