للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله ١، ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فليبلغ الشاهد منكم الغائب.

أيها الناس: إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا تجوز لوارث وصية، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث، والولد للفراش ٢، وللعاهر الحجر ٣ من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ٤، والسلام عليكم ورحمة الله".

وهكذا كانت خطبة الوداع في حجة الوداع. وهي خطبة جامعة، ووصية رائعة تشير كل فقرة منها إلى ما كان يحس به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من قرب الأجل، ونهاية العمر، فهو يبرئ ذمته، ويصفي حسابه مع الناس، حتى لا تعظم مسئوليته أمام رب الناس، وهو يشهد الناس في كل فقرة على أنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة، فيسألهم: ألا هل بلغت؟ ثم يتجه إلى ربه ويناديه: اللهم اشهد ... وهو يبدأ الخطبة بقوله: "لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا ثم يقول في ثناياها: "فلا ترجعن بعدي كفارًا ... فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده".

وكل هذه فقرات واضحة الدلالة على أن صاحبها قد فرغ من الدنيا، وأنه يتهيأ


١ وقع هنا زيادة في روايات كثيرة "وسنتي".
٢ أي: ينسب المولود لأبيه، لأنه على فراشه، ولو كان من زنًا.
٣ العاهر: الزاني، والحجر كتابة عن أنه لا شيء له، ولا ينسب له ولده من الزنا بامرأة متزوجة، كما يقال: لك التراب، أو بفيك التراب.
وقيل معنى وللعاهر الحجر: أي الرجم بالحجارة -إن كان محصنًا.
٤ كتابة عن أنه لا يقبل منه ما افتدى به مهما بلغ.

<<  <   >  >>