وكان قصي يضم إلى جوار ذلك كله "السقاية"، والمقصود بالسقاية: تدبير الماء وحمله من آبار مكة المجاورة بالمزاود "القِرَب" ووضعه في أحواض لسقاية الحجاج، وكذلك كانت لقصي "الحجابة""السدانة"، ويقصد بها حفظ مفاتيح الكعبة لا يفتحها إلا هو، ولا تقام شعائر دينية إلا بإذنه.
وهكذا يتبين لنا أن قصيًّا جمع في شخصه كل الوظائف الرئيسية -دينية كانت أم سياسية- فكان بذلك يعتبر وكأنه ملك العرب ورئيسهم الديني الأعلى، وقد أضفى ذلك على قبيلة قريش مجدًا وجاهًا عظيمين.
وقد توارث أبناء قصي هذا المجد والسلطان، حتى جاء من أحفاده عبد المطلب بن هاشم وهو الجد الأول لمحمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت السلطات -حينئذٍ- موزعة على عشرة من أشراف قريش، وكانت هذه المناصب تتوارث في أكبر الأبناء، وهذه المناصب هي:
١- الحجابة أو السدانة: والمقصود بها حراسة مفاتيح الكعبة، وكانت وظيفة دينية مهمة وضعت في يد بني عبد الدار بن قصي، ولما أسلمت مكة بعد الفتح ظلت السدانة في يد عثمان بن طلحة من بني عبد الدار، وقد قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خذوها تالدة خالدة إلى يوم القيامة لا ينزعها منكم إلا ظالم" ١.
٢- السقاية: ويقصد بها الإشراف على بئر زمزم المقدسة وسقاية الحجاج،
١ جاء هذا من طرق كثيرة ذكرها الحافظ ابن حجر في "الفتح" ٨/ ١٩. يقتضي مجموعها قوة الخبر، وانظر "معجم الطبراني الكبير" ١١/ ١٢٠، "مجمع الزوائد" ٣/ ٢٨٥، "الدرر المنثور" ٢/ ١٧٥، "طبقات ابن سعد" ٢/ ١/ ٩٩، "كنز العمال" ٣٤٧٦٦ وغير ذلك.