للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة والحاكم عليهم, فلما أقام أبا بكر ذلك المقام مع توفر هذه القرائن الحالية والمقالية, علم أنه أراد ذلك, وفي قوله: "يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر" أكبر إشارة بل أفصح عبارة, ولولا اعتماده -صلى الله عليه وسلم- على تلك الإشارة المصرحة بإرادة الخلافة لما أهمل أمرها, فإنها من الوقائع العظيمة في الدين, ويؤيد ذلك أنه أراد كتب العهد على ما سنذكره ثم تركه وقال: "يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر" إنما كان والله أعلم اكتفاء بنصبه إمامًا عند إرادة الانتقال عنهم وإحالة على فهم ذلك عنه, ولم يصرح بالتنصيص عليها؛ لأنه مرتبط بما يوحى إليه لا يفعل شيئًا إلا بأمر ربه, ولم يأمره بالتنصيص لينفذ قضاءه وقدره في ابتداء قوم عميت أبصارهم بما ابتلاهم به وليبين فضل من انقاد إلى الحق بزمام الإشارة ودله نور بصيرته عليه, فإن من لم يعتقد ذلك بعد بلوغ هذه الأحاديث والعلم بتلك القرائن الحالية والمقالية, فالظاهر عناده ورده للحق بعد تبينه.

ومنها حديث عائشة: "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره" وهو صريح في الباب لعموم الإمامة تقدم في الرابع والأربعين, وحديث الحوالة عليه في السابع والأربعين وهو من أدل الأدلة وأوضحها, وحديثها من أصح الأحاديث وإن صحت الزيادة على ما رواه مسلم وهي قوله -صلى الله عليه وسلم: "فإني أخاف أن يتمنى متمن أو يقول قائل: أنا أولى".

وفي رواية: "لكيلا يطمع في الأمر طامع أو يتمنى متمن" ثم قال: "ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" ويأبى الله ويدفع المؤمنون, أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليه, وهذا صريح في الباب ولا يقال: إنه نص على إمامته بتوليته من جهته -صلى الله عليه وسلم- فإنه لم يكتب, بل عرف بأنه يكون الخليفة بعده فجعل الله سبحانه وتعالى ذلك وإجماع المسلمين عليه.

ذكر سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- تقدمة علي, فأبى الله إلا تقدمة أبي بكر:

عن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "سألت الله -عز وجل- أن يقدمك

<<  <  ج: ص:  >  >>