أبي بكر متفق على صحتها, وهذه الأحاديث غايتها أن تكون حسنة, وإن صح منها شيء عند بعضهم فلا يصح معارضًا لما اتفق عليه.
الثاني: تسليم صحتها مع بيان أنه لا دليل لكم فيها:
قوله في الحديث الأول:"إن موسى استخلف هارون عند ذهابه إلى ربه ... " إلى آخر ما قرره, قلنا: الجواب عنه من وجهين الأول: يقول: هذا عدول عن ظاهر ما تعلق به لسان الحال والمقال, فإنه قال لعلي تلك المقالة حين استخلفه لما توجه إلى غزوة تبوك على ما يتضح إن شاء الله تعالى في آخر هذا الكلام, وذلك استخلاف حال الحياة, فلما رأى تألمه بسبب التخلف إما أسفًا على الجهاد أو بسبب ما عرض من أذى المنافقين على ما سنبينه إن شاء الله تعالى قال له تلك المقالة إيذانًا له بعلو مكانته منه وشرف منزلته التي أقامه فيها مقام نفسه, فالتنظير بينه وبين هارون إنما كان في استخلاف موسى له منضما إلى الإخوة وشد الأزر والعضد به, وكان ذلك كله حال الحياة مع قيام موسى فيما استخلفه فيه, يشهد بذلك صورة الحال, فليكن الحكم في علي كذلك منضما إلى ما يثبت له من إخوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشد أزره وعضده به, غير أنه لم يشاركه في أمر النبوة كما شارك هارون موسى فلذلك قال صلى الله عليه وسلم:"إلا أنه لا نبي بعدي".
هذا على سبيل التنظير ولا إشعار في ذلك بما بعد الوفاة لا بنفي ولا بإثبات, بل يقول: لو حمل على ما بعد الوفاة لم يصح تنزيل علي من النبي -صلى الله عليه وسلم- منزلة هارون من موسى لانتفاء ذلك في هارون, فإنه لم يكن الخليفة من بعد وفاة موسى وإنما كان الخليفة بعد يوشع بن نون فعلم قطعا أن المراد به الاستخلاف حال الحياة لمكان التشبيه, ولم يوجد إلا في حال الحياة. لا يقال: عدم استخلاف موسى هارون بعد وفاته إنما كان لفقد هارون حينئذ ولو كان حيا ما استخلف والله أعلم غيره, بخلاف علي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما يتم دليلكم أن لو كان هارون حيا عند وفاته واستخلف غيره؛ لأنا نقول