من تكاملت آلته واجتمعت خصال الأهلية فيه ولم يكن مفضولًا وكان على رأي انعقدت الولاية ولزم الباقين المتابعة على المبايعة, إذا كانوا معترفين بأهليته لها, وإلا جعل ذلك طريقًا إلى عدم انعقاد كل بيعة وتطرق الخلل وانتشار المفاسد فلا يقوم للدين نظام أبدًا.
وفي فتح هذا الباب من اعتراض الأهوية والأغراض ما لا خفاء به.
ولما بطل المعنيان تعين الأول وهو رؤيته أحقيته وأن المفضول لا تنعقد ولايته دفعًا لذلك المحذور, ولا يلزم من تخلفه في تلك المدة على الإنكار التقرير على الباطل؛ لأنا نقول: إن رؤيته الأحقية كانت أول وهلة وغاب عنه إذ ذاك ما كان يعلمه من حق أبي بكر وفيه من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما اجتمع الجم الغفير على ولاية أبي بكر اتهم نظره في حق نفسه ولم ير المبادرة إلى إظهاره, ولا المطالبة لمقتضاه حتى يبذل جهده في السير والنظر وإمحاص الفكر بأن ذلك من الوقائع العظيمة في الدين وفيه تفريق كلمة من اجتمع من المسلمين, فلم يقنع فيه بمبادئ النظر خشية استمالة الهوى الحيلي وحب الرياسة الطبيعي ولا رأى الموافقة لما ارتسم في ذهنه من رؤية أحقيته فيما تستحق به الإمامة, وتعين وجوب القيام بالأمر عليه لكونه أحق, وكان ذلك في مبادئ النظر قبل الإمعان فيه فتخلف عن الأمرين سالكًا في ذلك سبيل الورع والاحتياط فيهما عنده باذلًا جهده في الاجتهاد والنظر تلك المدة, فكان في تخلفه فيها مجتهدًا ذا أجر فلما تبين له أحقية أبي بكر وأفضليته بتذكر مقتضيات الأفضلية ولتقديمه نقلا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ذكرناه عنه في فضليهما ونتيجة نظر قويم واجتهاد من حبر عليم, ووافى ذلك وفاة فاطمة أرسل إلى أبي بكر أن ائتنا, واعتذر إليه بأنه كان يرى أحقيته وسياق هذا اللفظ يشعر بأن تلك الرؤية قد زالت ولم يكن ذكره للقرابة إقامة للحجة على أبي بكر فإنه معتذر ولا تليق المحاجة بالمعتذر, وإنما كان إظهارًا لمستند تخلفه وتبيانًا لمعتمد تمسكه لكيلا يظن به أن تخلفه لهوى متبع بغير هدى من