إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، فأما أهل السلامة والدين والفضل فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحدًا يظلم أحدًا ويتعدى عليه، حتى أضع خده على الأرض وأضع قدمي على الخد الآخر حتى يذعن بالحق، ولكم عليّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها، لكم علي أن لا أخبأ شيئًا من خراجكم مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه, ولكم علي إذا وقع عندي أن لا يخرج إلا بحقه، ولكم علي أن أرد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى، ولكم علي أن لا ألقيكم في المهالك، وإذا رغبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
قال سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن: فوفى -والله- عمر وزاد الشدة في مواضعها واللين في مواضعه، وكان أبا العيال حتى إن كان ليمشي إلى المغيبات فيسلم على أبوابهن ثم يقول: أليكن آذاكن أحد? أتردن أشتري لكُنّ شيئًا من السوق، فإني أكره أن تخدعن في البيع والشراء، فيرسلن معه بجواريهن، فيدخل السوق وإن وراءه من جواري الناس وغلمانهم ما لا يحصى فيشتري لهم حوائجهم، ومن كان ليس عندها منهن شيء اشترى لها من عنده، وإذا قدم الرسول من بعض البعوث يتبعهن هو بنفسه بكتب أزواجهن ويقول لهن: إن أزواجكن في سبيل الله وأنتم في بلاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن كان عندكن من يقرأ وإلا فأدنين من الباب حتى أقرأ لكن، ثم يقول: رسولنا يخرج يوم كذا وكذا فاكتبن حتى نبعث بكتبكن ثم يدور عليهن بالقراطيس والدوي, فمن كتب منهن أخذ كتابها، ومن لم تكتب قال: هذا قرطاس ودواة، ادني من الباب فأملي علي فيمر على كذا وكذا بابًا فيكتب لأهله ثم يبعث بكتبهن، وإذا كان في سفر نادى الناس في المنزل عند الرحيل: ارحلوا أيها الناس، فيقول القائل: أيها الناس, هذا أمير المؤمنين قد ناداكم فقوموا فاسقوا وارحلوا, ثم ينادي الثانية الرحيل، فيقول الناس: اركبوا فقد نادى أمير المؤمنين