وقد وكلنا أمرك في يمينك إلى الله تعالى، فارجع إلى عملك فليس نجد الآن من يقوم مقامك، ولعلنا إن وجدنا من يكفينا عملك وليناه، فلما مضى عمر لسبيله وولي عثمان شكا جند البصرة شح أبي موسى، وشكا جند الكوفة ما نقموا عليه، فخشي عثمان ممالأة الفريقين على أبي موسى فعزله عن البصرة وولاها أكرم الفتيان عبد الله بن عامر بن كريز، وكان من سادات قريش، وهو الذي سقاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ريقه حين حمل إليه طفلا في مهده. وأما عمرو بن العاص فإنما عزله لأن أهل مصر أكثروا شكايته، وكان عمر قبل ذلك عزله لشيء بلغه عنه، ثم لما أظهر توبته رده، كذلك عزله عثمان لشكاية رعيته، كيف والرافضة يزعمون أن عمرًا كان منافقًا في الإسلام، فقد أصاب عثمان في عزله فكيف يعترض على عثمان بما هو مصيب فيه عندهم? وأما توليته عبد الله فمن حسن النظر عنده؛ لأنه تاب وأصلح عمله، وكانت له فيما ولاه آثار محمودة، فإنه فتح من تلك النواحي طائفة كبيرة، حتى انتهى في إغارته إلى الجزائر التي في بحر بلاد الغرب، وحصل في فتوحه ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، سوى ما غنمه من صنوف الأموال؛ وبعث بالخمس منها إلى عثمان وفرق الباقي في جنده, وكان في جنده جماعة من الصحابة ومن أولادهم كعقبة بن عامر الجهني، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، قاتلوا تحت رايته، وأدوا طاعته, ووجدوه أقوم بسياسة الأمر من عمرو بن العاص. ثم أبان عن حسن رأي في نفسه عند وقوع الفتنة فحين قتل عثمان اعتزل الفريقين ولم يشهد مشهدًا ولم يقاتل أحدًا بعد قتال المشركين. "وأما عمار بن ياسر" فأخطئوا في ظن عزله، فإنه لم يعزله وإنما عزله عمر, كان أهل الكوفة قد شكوه فقال عمر: من يعذرني من أهل الكوفة إن استعملت عليهم تقيا استضعفوه، وإن استعملت عليهم قويا فجروه. ثم عزله وولى المغيره بن شعبة، فلما ولي عثمان شكوا المغيرة إليه وذكروا أنه ارتشى في بعض أموره