للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإما تمليكا إن قلنا: ملك.

"وأما القضية الثامنة" وهو ما ادعوه في نفيه جماعة من الصحابة: أما أبو ذر فروي أنه كان يتجاسر عليه ويجبهه بالكلام الخشن ويفسد عليه ويثير الفتنة، وكان يؤدي ذلك التجاسر عليه إلى إذهاب هيبته وتقليل حرمته ففعل ما فعل به صيانة لمنصب الشريعة وإقالة لحرمة الدين, وكان عذر أبي ذر فيما كان يفعله أنه كان يدعوه إلى ما كان عليه صاحباه من التجرد عن الدنيا والزهد فيها، فيخالفه في أمور مباحة من اقتنائه الأموال، وجمعه الغلمان الذين يستعان بهم على الحروب، وكل منهما كان على هدى من الله تعالى, ولم يزل أبو ذر ملازمًا طاعة عثمان بعد خروجه إلى الربذة حتى توفي.

ولما قدم إليها كان لعثمان غلام يصلي بالناس, فقدم أبا ذر للصلاة فقال له: أنت الوالي، والوالي أحق, وهذا كله على تقدير صحة ما نقله الروافض في قصة أبي ذر مع عثمان؛ وإلا فقد روى محمد بن سيرين خلاف ذلك، فقال: لما قدم أبو ذر الشام استأذن عثمان في لحوقه بالربذة فقال عثمان: أقم عندي تغدو عليك اللقاح وتروح فقال: لا حاجة لي في الدنيا، فأذن له في الخروج إلى الربذة.

وروى قتادة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي ذر: "إذا رأيت المدينة بلغ بناؤها سلعا, فاخرج منها" وأشار إلى الشام فلما كان في ولاية عثمان بلغ بناؤها سلعًا فخرج إلى الشام، وأنكر على معاوية أشياء فشكاه إلى عثمان، فكتب عثمان إلى أبي ذر: أقبل إلينا فنحن أرعى لحقك وأحسن جوارًا من معاوية فقال أبو ذر: سمعًا وطاعة, فقدم على عثمان ثم استأذن في الخروج إلى الربذة فأذن له فمات. ورواية هذين الإمامين العالمين من التابعين وأهل السنة هذه القصة أشبه بأبي ذر وعثمان من رواية غيرهما من أهل البدعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>