النحو الذي رووه, بل الصحيح منها أن غلمانه ضربوا عمارًا، وقد حلف أنه لم يكن على أمره لأنهم عاتبوه في ذلك فاعتذر إليهم بأن قال: جاء هو وسعد إلى المسجد وأرسلا إلي أن ائتنا فإنا نريد أن نذاكرك أشياء فعلناها، فأرسلت إليهما أني عنكما اليوم مشغول، فانصرفا وموعدكما يوم كذا وكذا. فانصرف سعد وأبى هو أن ينصرف، فأعدت إليه الرسول فأبى ثم أعدته إليه فأبى، فتناوله رسولي بغير أمري, والله ما أمرته ولا رضيت بضربه؛ وهذه يدي لعمار فليقتص مني إن شاء, وهذا من أبلغ ما يكون من الإنصاف.
ومما يؤيد ذلك ويوهي ما رووه: ما روى أبو الزناد عن أبي هريرة أن عثمان لما حوصر ومنع الماء قال لهم عمار: سبحان الله! قد اشترى بئر رومة وتمنعوه ماءها! خلوا سبيل الماء، ثم جاء إلى علي وسأله إنفاذ الماء إليه، فأمر براوية ماء, وهذا يدل على رضائه عنه.
وقد روي أنه -رضي الله عنه- لما أنصفه بحسن الاعتذار، فما بال أهل البدعة لا يرضون! وما مثله فيه إلا كما يقال: رضي الخصمان، ولم يرض القاضي.
وأما الثالثة عشرة وهي قولهم: إنه انتهك حرمة كعب, فيقال لهم: ما أنصفتم إذ ذكرتم بعض القصة وتركتم تمامها، وذلك أن عثمان استدرك ذلك بما أرضاه فكتب إلى سعد بن العاص أن ابعثه إلي مكرما؛ فبعث إليه فلما دخل عليه قال له: يا كعب, إنك كتبت إلي كتابًا غليظًا ولو كتبت ببعض اللين لقبلت مشورتك، ولكنك حددتني وأغضبتني حتى نلت منك ما نلت. ثم نزع قميصه ودعا بسوط فدفعه إليه ثم قال: قم فاقتص مني ما ضربته, فقال كعب: أما إذا فعلت ذلك فأنا أدعه لله تعالى، ولا أكون أول من اقتص من الأئمة؛ ثم صار بعد ذلك من خاصة عثمان، وعذره في مبادرته الأمر بضربه ونفيه، وذلك سبيل أولي