فلم تزل هذه شيمة الخلفاء قبله وبعده على ما تقدم تقريره، وليس هجره إياه بأعظم من هجر علي أخاه عقيل بن أبي طالب وأبا أيدب الأنصاري حين فارقاه بعد انصرافه من صفين وذهبا إلى معاوية، ولم يوجب ذلك طعنًا عليه ولا عيبًا فيه.
وقد روي أن أعرابيا من همدان دخل المسجد فرأى ابن مسعود وحذيفة وأبا موسى الأشعري يذكرون عثمان طاعنين عليه فقال لهم: أنشدكم الله، لو أن عثمان ردكم إلى أعمالكم ورد إليكم عطاياكم أكنتم ترضون? قالوا: اللهم نعم, فقال: الهمداني: اتقوا الله يا أصحاب محمد ولا تطعنوا على أئمتكم, وفي هذا بيان أن من طعن على عثمان إنما كان لعزله إياه وتوليته غيره وقطع عطائه، وذلك سائغ للإمام إذا أدى اجتهاده إليه.
وأما الحادية عشرة وهي قولهم: إن عبد الرحمن ندم على تولية عثمان, فكذب صريح، ولو كان كذلك لصرح بخلعه إذ لا مانع له، فإن أعيان الصحابة على زعمهم منكرون عليه ناقمون أحداثه، والناس تبع لهم، فلا مانع لهم من خلعه، وكيف يصح ما وصفوا به كل واحد منهما في حق الآخر، وقد آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما؟ فثبت لكل واحد منهما على الآخر حق الإخوة والاشتراك في صحبة النبوة، وشهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- لكل واحد منهما بالجنة، وترك التنزيل مخبرًا بالرضا عنهم، وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو عليهما راض. ويبعد مع كل هذا صدور ما ذكروه عن كل واحد منهما، وإنما الذي صح في قصته أن عثمان استوحش منه، فإن عبد الرحمن كان يبسط عليه في القول لا يبالي بما يقول له.
وروي أنه قال له: إني أخاف يابن عوف أن تبسط من دمي.
"حاشية" كذا وقع، ولعله: أن تهدر دمي.
وأما الثانية عشرة وهي ضرب عمار, فسياق هذه القصة لا يصح على