صدور ذلك من الغلام، فيكون قد فعله من نفسه غضبا لمولاه، فإن ابن مسعود كان يجبه عثمان بالكلام ويلقاه بما يكرهه، ولو صح ذلك عنه لكان محمولا على الأدب، فإن منصب الخلافة لا يحتمل ذلك، ويصنع ذلك منه بين العامة، وليس هذا بأعظم من ضرب عمر سعد بن أبي وقاص بالدرة على رأسه حين لم يقم له، وقال له: إنك لم تهب الخلافة فأردت أن تعرف أن الخلافة لا تهابك, ولم يغير ذلك سعدًا ولا رآه عيبًا وكذلك ضربه لأبي بن كعب حين رآه يمشي وخلفه قوم فعلاه بالدرة وقال: إن هذه مذلة للتابع وفتنة للمتبوع، ولم يطعن أبي بذلك على عمر، بل رآه أدبًا منه نفعه الله به، ولم يزل دأب الخلفاء والأمراء تأديب من رأوا منه الخلاف، على أنه قد روي أن عثمان اعتذر لابن مسعود وأختاه في منزله، حين بلغه مرضه وسأله أن يستغفر له وقال: يا أبا عبد الرحمن هذا عطاؤك فخذه, فقال له ابن مسعود: وما أتيتني به إذ كان ينفعني, وجئتني به عند الموت لا أقبله, فمضى عثمان إلى أم حبيبة، وسألها أن تطلب إلى ابن مسعود ليرضى عنه، فكلمته أم حبيبة، ثم أتاه عثمان فقال له: يا أبا عبد الله، ألا تقول كما قال يوسف لإخوته:{لا تَثْرِيبَ ١ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} ? فلم يكلمه ابن مسعود. وإذا ثبت هذا فقد فعل عثمان ما هو الممكن في حقه واللائق بمنصبه أولًا وآخرًا، ولو فرض خطؤه فقد أظهر التوبة والتمس الاستغفار، واعتذر بالذنب لمن لم يقبله حينئذ، فإن الله أخبر أنه:{يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} وفي ذلك حثهم على الاقتداء به, على أنه قد نقل أن ابن مسعود رضي عنه واستغفر له. قال سلمة بن سعيد: دخلت على ابن مسعود في مرضه الذي توفي فيه، وعنده قوم يذكرون عثمان فقال لهم: مهلا, فإنكم إن قتلتموه لا تصيبون مثله.
وأما عزله عن الكوفة وإشخاصه إلى المدينة وهجره له وجفاؤه إياه،