للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريدونه على خلعه؛ وأمره أن لا يخلعه، وأكد عليه الأمر بأن لا يخلعه. وفي بعض الطرق أنه توعده على خلعه وأمره بالصبر -على ما تقدم تقريره في خصائصه- فامتثل أمره وصبر على ما ابتلي به. وهذا من أدل دليل على أنه كان على الحق؛ وماذا بعد الحق إلا الضلال?! فمن خالفه يكون على الباطل. كيف لا وقد وصف -صلى الله عليه وسلم- الذين أرادوا خلعه بالنفاق فعلم بالضرورة أن كل ما ورد عنه مما يوجب الطعن عليه دائر بين مفتر عليه ومختلق وبين محمول على تقدير صحته على أحسن التأويلات ليكون معه على الحق تصديقًا لخبر النبوة المقطوع بصدقه. هذا ما علم من سابقته وكثرة إنفاقه في سبيل الله وشرف منزله بالصهارة الثابتة له في ابنتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعظم مكانته في الدين والصفات الجميلة والمآثر الحميدة على ما تضمنه فصل مناقبه، فكيف يتوهم فيه شيء مما ادعاه أهل الأهواء والبدع؟! وأما كلفه١ بأقاربه وصلته إياهم وحبه الخير لهم فتلك صفة جبلة لم يودعها الله -عز وجل- إلا في خيار خلقه، وقد كان صلى الله عليه وسلم على مثل ذلك في بني هاشم على ما سنبينه في مناقب بني هاشم وقريش إن شاء الله تعالى، وذلك محمود فيما لم يؤد إلى معصية, ولم يتحقق في شيء مما أتاه عثمان معصية بل له من المحامل الجلية الطاهرة ما يمنع من اعتقاد الحرمة بل الكراهة. غاية ما في الباب أنه ترك الأولى وما هو الأفضل اللائق به مما كان عليه الشيخان٢، ولعله اعتقد أنه ما لا يشبه الأفضل في زمانه وعصره فلكل عصر حكم. وعلى الجملة فالذي يجب اعتقاده ولا يحل خلافه أن شيئا مما يسنه عثمان لم يخرج فيه عن الحق ولا عن الهدى تصديقا لشهادة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وإن كان في شيء من ذلك له هوى فهو هوى بهدى من الله -عز وجل- وقد وسع الله تعالى في ذلك, فشهده قوله تعالى: {وَمَنْ


١ شدة حبه المتجلي في إحسانه إليهم وحرصه على نفعهم، ولكنه -رضي الله عنه- لم يجانب الحق في ذلك.
٢ أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>