للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معلوم بالضرورة يشهد له الوجود، فإن رسله -صلى الله عليه وسلم- لم تزل مختلفة إلى الآفاق في التبليغ عنه وأداء رسالاته وتعليم الأحكام والوقائع, مؤدين لها عنه ومبلغين عنه، وليسوا كلهم منه، فعلم أن الإشارة والتبليغ في تلك الواقعة، وكان ذلك لسبب اقتضاه، وهو أن عادة العرب لم تزل جارية في نقض العهود أن لا يتولى ذلك إلا من تولى عقدها أو رجل من قبيلته، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- ولى أبا بكر ذلك على ما تضمنه حديث علي جريًا على عادته في عدم مراعاة العوائد الجاهلية، فأمره الله تعالى أن لا يبعث في نقض عهودهم إلا رجلا منه إزاحة لعللهم, وقطعًا لحججهم لجواز أن يحتجوا على أبي بكر بعوائدهم ومألوفهم كما احتجوا عليه -صلى الله عليه وسلم- في كتاب صلح الحديبية لما قال لعلي: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم" فقالوا: اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب في الجاهلية، وإن كان المعنى المقتضي لإجابتهم في صلح الحديبية إلى ما طلبوا مفقودا هنا لانتشار أمر الإسلام وعلو شأنه وظهوره وقوة أهله زمن حجة أبي بكر، لكن الإيناس بالمألوف المعروف أقرب إلى انقياد النفوس وأدعى إلى طاعتها، وإذا تقررت هذه المقدمة ثبت أن إرسال علي لم يكن عزلا لأبي بكر -رضي الله عنه- عن إمارته، وإنما عن التبليغ فقط لمقتضٍ اقتضاه كما قررنا، وكان أبو بكر الآمر والخطيب والإمام والمعلم مناسك الحج.

وقد صرح علي -رضي الله عنه- لما قال له أبو بكر: أمير أم رسول? فقال: بل رسول، وقال بعض منه أشبه قوله قول الرافضة ممن ينتمي إلى التحديث والتصوف إنما صرف النبي -صلى الله عليه وسلم- إمارة الحج عن علي، لما في الإمارة من شوائب الدنيا تنزيهًا له، إذ كان سبيله -صلى الله عليه وسلم- في أهل بيته إبعادهم عن الدنيا وإبعاد الدنيا عنهم، وإنما كانت توليته أمر التبليغ للضرورة التي لا تندفع إلا به كما تقدم تقريره، وهذا القول في هذا الموطن غلط من هذا القائل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان سبيله في أهل بيته ما ذكره فلا يمكن ادعاء هذا المعنى في هذا الموطن لوجوه، الأول: ما فيه من حط

<<  <  ج: ص:  >  >>