يخدم أهلك ويرد عليهم، وحسبك من الدواب ثلاث: دابة لرحلك، ودابة لثقلك، ودابة لغلامك" ثم أنا أنظر إلى بيتي قد امتلأ رقيقا، وأنظر إلى مربطي قد امتلأ خيلا ودواب؛ وكيف ألقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد هذا, وقد أوصانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني من لقيني على الحال التي فارقني عليها"؟
ذكر تواضعه, وإنصافه لرعيته, ومساواته لهم:
روى أبو حذيفة في "فتوح الشام" أن أبا بكر قد بعث عمرو بن العاص في نفر وقال له: يا عمرو؛ هؤلاء أشراف قومك يخرجون مجاهدين في سبيل الله، بائعين أنفسهم لله، فاخرج فعسكر حتى أندب الناس معك، فقال عمرو: يا خليفة رسول الله, ألست أنا الوالي على الناس? قال: بلى أنت الوالي على من أبعثه معك من ههنا؛ فقال: بل على من أقدم عليه من المسلمين؛ قال: فقال: لا، ولكن أحد الأمراء فإن جمعتكم حرب فأبو عبيدة أميركم؛ فسكت عمرو، ثم لما حضر شخوصه جاء إلى عمر فقال: يا أبا حفص، قد علمت نصرتي في الحرب ومناقبي في العدو؛ وقد رأيت منزلتي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أرى أبا بكر ليس يعصيك، فأشر عليه رحمك الله أن يوليني أمر هذه الجنود بالشام، فإني أرجو أن يفتح الله على يدي البلاد، وأن يريكم الله والمسلمون ما تسرون به؛ فقال عمر: ما كنت لأكذبك، ما كنت لأكلمك في ذلك, وما يوافقني أن يبعثك على أبي عبيدة وأبو عبيدة أفضل عندنا منزلة منك، قال: فإنه لا ينقص أبا عبيدة شيئًا من فضله إن ولاني عليه؛ قال: فلما قدم عمرو على أبي عبيدة قال له أبو عبيدة: مرحبًا بك يا أبا عبد الله, رب يوم قد شهدته مبارك للمسلمين فيه برأيك ومحضرك، وإنما أنا رجل منكم، لست -وإن كنت الوالي عليكم- بقاطع أمرًا دونكم فاحضرني برأيك في كل يوم بما ترى، فإنه ليس لي عنك غنى، قال: فقال عمرو: أفعل، وفقك الله لما يصلح للمسلمين ونكبت به العدو.