للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: وما الدليل على أنَّ يَسَعُ ويَطَأُ: "يَفعِلُ" بكسر العين؟ وهلَّا وُقف فيهما مع الظاهر وهو "يَفعَلُ" لأنَّ العين مفتوحة، وأيضًا فإنَّ قياس مضارع "فَعِلَ": "يَفعَلُ"، فما الذي دعا إلى جعل "يَسَعُ" و"يَطَأُ" شاذَّين؟ فالجواب١ أنَّ الذي حمل على ذلك إنَّما هو حذف الواو، إذ لو كانا "يَفعَلُ" لكانا٢ "يَوطَأُ" و"يَوسَعُ". فدلَّ حذفُ الواو على أنهما في الأصل "يَوطِئُ" و"يَوسِعُ" فحُذفتِ الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ثمَّ فُتحتِ العين لأجل حرف الحلق، ولم يُعتدَّ بالفتح لأنه عارض.

وإنَّما كان الشاذُّ من "فَعِل يَفعِلُ" فيما فاؤه واو أكثرَ من الشاذِّ منه في الصحيح؛ لأنَّه شذوذ يؤدِّي إلى تخفيف اللفظ بالحذف.

وزعم الفرَّاءُ أنَّ موجِبَ الحذف إنَّما هو التَّعدِّي٣ نحو: يَعِدُ ويَزِنُ، وموجبَ الإثبات إنَّما هو عدمُ التَّعدِّي نحو: يَوجَلُ ويَوحَلُ٤.

وهذا [٤٠ب] الذي ذهب إليه فاسدٌ٥؛ لأنه خارج عن القياس؛ ألا ترى أنَّ الحذف إنَّما القياس فيه أن يكون لأجل الثقل؟ وأيضًا فإنهم قالوا: وَأَلَ زيدٌ ممّا كان يَحذرُه يَئِلُ ووَبَلَ المطرُ يَبِلُ ووَقَدَتِ النَّارُ تَقِدُ ووَحِرَ صَدرُه يَحِرُ ووَغِرَ يَغِرُ. فحذفوا الواو في جميع ذلك، وإن كان غيرَ متعدٍّ، لمَّا وقعت بين ياء وكسرة٦.

وإن وقعت [الواو فاء] ٧ في فعل على وزن "فَعُلَ" فإن مضارعه لا تحذف٨ منه الواو، نحو:٩ يَوضُؤ ويَوطُؤ، لِما ذكرنا١٠ من أنَّ الواو بين الياء والضَّمَّة أخفُّ منها بينَ الياء والكسرة.

وما عدا ذلك، ممّا تقع الواو فيه فاء، من اسم أو فعل على ثلاثة أحرف أو أزيد، فإنها لا تُقلب ولا تُحذف، إِلَّا أن تَقَعَ:

ساكنةً بعد كسرةٍ، فإنها تُقلب ياء، نحو: ميزان ومِيعاد. الأصل فيهما "مِوْزان" و"مِوْعاد"؛ لأنهما من الوزن والوعد، فقلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها.


١ المنصف ١: ٢٠٧-٢٠٨.
٢ ف: لكان.
٣ المنصف ١: ١٨٨.
٤ م: يوجِل ويوجَل.
٥ المبرد هو الذي تصدى للفراء. انظر الكامل ص٧٨ والمنصف ١: ١١٨.
٦ في م تقديم وتأخير وتصرُّف.
٧ زيادة يقتضيها السياق.
٨ م: لا يحذف.
٩ المنصف ١: ٢٠٩.
١٠ في ص ٢٨١-٢٨٢.

<<  <   >  >>