للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيبويه. ومذهب الخليل١ أنهم قَلبوا اللَّام في موضع العين، فلم تَلتق همزتان.

فإن قيل: وما الذي حَمل الخليل على ادِّعاءِ القلب؟ فالجواب أنَّ الذي حمله على ذلك كثرةُ العمل الذي في مذهب سيبويه؛ ألا ترى أنَّ جائيًا في مذهب سيبويه أصله "جايِئٌ" ثمَّ٢ "جائئٌ" ثمَّ "جائِيٌ" ثمَّ "جاءٍ"٣، وفي مذهب٤ الخليل أصله "جايِئٌ"، فقُلب فصار "جائِيٌ" ثمَّ "جاءٍ"؟ فمذهب سيبويه فيه زيادٌ [عملٍ] ٥ على مذهب الخليل. فلذلك تكلَّف القلب، إذ كانوا يقلبون فيما لا يؤدِّي فيه عدم القلب إلى اجتماع همزتين، نحو قولهم: شاكٍ ولاثٍ. والأصل فيهما: شائكٌ ولائثٌ.

وكلا المذهبين عند سيبويه حسن. ورَجَّحَ الفارسيُّ٦ مذهب الخليل على المذهب الأوَّل، بأنه يلزم في مذهب سيبويه توالي إعلالين على الكلمة من جهة واحدة. وهما قلب العين همزةً، وقلب الهمزة التي هي لام ياءً. وتوالي إعلالين على الكلمة، من جهة واحدة، لا يوجد في كلام العرب إِلَّا نادرًا أو في ضرورة الشعر٧، نحو قوله٨:

وإِنِّي لأَستَحْيي,٩ وفي الحَقِّ مُستَحًى, ... إِذا جاءَ باغِي العُرفِ, أن أَتَنَكَّرا

أصل مُستَحًى: "مُستَحْيَيٌ" فتحرَّكت الياء الأخيرة وما قبلها مفتوح، فقلبت١٠ ألفًا فصار "مُستَحْيًا". ثمَّ أَعلُّوا الياء التي هي عين، بنقل حركتها إلى الساكن قبلها وقَلبِها ألفًا، فالتقَى ساكنان فحذف أحدهما. ولا يلزم في مذهب الخليل إِلَّا القلب، والقلب أكثر في كلام العرب من توالي الإعلالين على الكلمة، حتى إنَّ يعقوب قد وضع كتابًا في "القلب والإبدال"١١.

وهذا الترجيح حسن. إِلَّا أنَّ السماع يشهد للمذهب الأوَّل. وذلك أنَّ من العرب من يقول١٢: شاكٌ ولاثٌ، فيحذف العين من شائك ولائث. ومنهم من يقول: شاكٍ ولاثٍ، كما تَقَدَّمَ فيقلب١٣. والذي من لغته القلب ليس من لغته الحذف، وكلّهم يقول: شائكٌ


١ الكتاب ٢: ٣٧٨.
٢ كذا. وقد أغفل "جااءٌ".
٣ م: جائي ثمَّ جايئ ثمَّ جاءَ.
٤ م: ومذهب.
٥ من م.
٦ المنصف ٢: ٥٣.
٧ في النسختين "إِلَّا في ضرورة شعر". وفي حاشية ف تصويب كما أثبتنا.
٨ التمام ص٧٠ و١٦٣. وانظر ص٣٧٠ والباغي: الطالب. والعرف: المعروف.
٩ م: استحى.
١٠ م: قلبت.
١١ نشر عام ١٩٠٥م. واستشهاد ابن عصفور به وهم؛ لأنَّ القلب الذي فيه هو إعلالي، لا مكاني كما في المسألة المعنية.
١٢ المنصف ٢: ٥٤. وانظر ص٣٩١.
١٣ م: ويقلب.

<<  <   >  >>