للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقولُ الآخر١:

هَجَوتَ زَبَّانَ, ثُمَّ جِئتَ مُعتَذِرًا ... مِن هَجْوِ زَبَّانَ, لَم تَهجُو, ولَم تَدَعِ

فكأنهما قبلَ دخول الجازم عليهما كانا "يأتيُكَ" و"تَهجُوُ"٢، فدخل الجازم فحذف الحركة. ومنهم من حمل "ألم يأتيك" و"لم تهجو" على حذف الضَّمَّة المقدَّرة. وما قَدَّمناه أَولى، لئلَّا يؤدِّي ذلك إلى كون المجزوم والمرفوع على صورة واحدة.

وما كان منها في آخره ألف فإنَّه يكون في موضع الرفع والنصب ساكنَ الآخر، لتعذُّر الحركة في الألف، وفي موضع الجزم محذوفَ الألف، لمعاقبتها الحركةَ. فكما أنَّ الجازم يَحذف الحركة فكذلك ما عاقبها.

وزعم بعض النحويِّينَ٣ أنَّ العرب قد تُثبِتُ الألف في الجزم ضرورةً، فتَحذف الحركة المقدَّرة، وتُجريها في الإثبات مُجرى الياء والواو، وإن لم يكن تحريكها كتحريكهما. واستدلَّ على ذلك بما أنشده أبو زيد من قوله٤:

إِذا العَجوزُ غَضِبَتْ فطَلِّقِ ... ولا تَرضَّاها, ولا تَمَلَّقِ

وبقراءة حمزةَ: "لا تَخَفْ دَرَكًا ولا تَخشَى"٥، بجزم "تَخَفْ" وإثبات الألف في "تَخشَى"؛ ألا ترى أنَّ "تَخشَى" معطوف على "لا تخفْ" وهو مجزوم؟ وكذلك أيضًا "تَرضَّاها" في موضع جزم بـ"لا"؛ ألا ترى أنَّه قد عُطِفَ عليه "ولا تملَّقِ" وهو مجزوم؟.

ولا حجَّة عندي في شيء من ذلك: أمَّا قوله تعالى "ولا تَخشَى" فيحتمل أن يكون خبرًا مقطوعًا، كأنَّه قال: وأنت لا تَخشَى، امتثالًا لنهينا لك. وكذلك "ولا تَرضَّاها" يحتمل أن يكون جملة خبريَّة، في موضع الحال، كأنه قال: فطَلِّقْ وأنت لا تَرضَّاها. ويكون "ولا تَمَلَّقِ" نهيًا معطوفًا على جملة الأمر التي هي: فطلِّقِ.


١ ينسب إلى أبي عمرو بن العلاء واسمه زبان، مخاطبًا به الفرزدق. المنصف ٢: ١١٥ والإنصاف ص٢٤ وشرح الشافية ٣: ١٨٤ وشرح شواهدها ص٤٠٦-٤٠٧ والعيني ١: ٢٣٤-٢٣٦. يريد: هجوتني ثمَّ اعتذرت. فكأنك لم تهج، على أنك لم تدع الهجو.
٢ م: يهجو.
٣ في حاشية ف: هو ابن بابشاذ.
٤ ينسب إلى رؤبة. ديوانه ص١٧٩ والمنصف ٢: ١١٥ و٢: ٧٨ والخصائص ١: ٣٠٧ والضرائر ص١٧٤ والعيني ١: ٢٣٦ وشرح المفصل ١٠: ١٠٦ والإنصاف ص١٠ وشواهد التوضيح ص٢٠ وسر الصناعة ١: ٢٩ والدرر واللوامع ١: ٢٨ واللسان والتاج "رضو". وانظر ديوان سلامة بن جندل ص١٧٣.
٥ الآية ٧٧ من سورة طه.

<<  <   >  >>