للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضَّرْب مثل جَعفَر، فقال: "ضَرْبَبٌ"، قد أحدث لفظًا ليس من كلام العرب؟ والذي يجيز ذلك١ حجَّتُه أنَّ العرب قد أدخلت٢ في كلامها الألفاظ الأعجميَّة كثيرًا، ولم تمتنع من شيء من ذلك. وسواء كان بناء اللفظ الأعجميِّ٣ مثل بناءٍ من أبنية كلامهم، أو لم يكن نحو: إِبراهيم ومَرْزَنجُوش٤ وأشباه ذلك. فقاس على ذلك إِدخال هذه الأبنية المصنوعة في كلامهم، وإن٥ لم تكن منه.

وذلك باطل؛ لأنَّ العرب إذا أدخلت اللفظ العجميَّ في كلامها٦ لم يرجع بذلك عربيًّا، بل تكون قد تكلَّمت بلغة غيرها. وإذا تكلَّمنا نحن بهذه الألفاظ المصنوعة كان تكلُّمنا بما لا يرجع إلى لغة من اللغات٧.

والذي فصَّل حجَّتُه أنَّ العرب إذا فعلت مثل ذلك باطِّراد كان هذا الذي صنعناه نحن لاحقًا به، ومحكومًا له بأنه عربيٌّ؛ لأنه على قياس كلام العرب٨. فإن لم تفعلِ العرب مثله، أو فعلته بغير اطِّراد، لم يجز لأنه ليس له ما يقاس عليه. فإذا بنينا٩ من الضرب مثل جَعْفَر فقلنا: "ضَرْبَبٌ"، كان "ضَرْبَبٌ" عربيًّا. وجاز لنا التكلُّم به في النظم والنثر؛ لأنَّ العرب قد ألحقتِ الثُّلاثيَّ بالرباعيِّ بالتضعيف كثيرًا، نحو: قَرْدَد١٠ ومَهْدَد١١ ومَحْبَب١٢ وعُنْدَد١٣ ورِمْدِد١٤ وأمثال ذلك. إذ لا فرق بين قياس الألفاظ على الألفاظ وبين قياس الأحكام على الأحكام.

ألا ترى أنك تقول: طابَ الخُشكُنانُ١٥، فترفعه إذا كان فاعلا١٦ وإن لم تَسمَعِ العربَ


١ م: والذي يميز فله.
٢ م: أخلَّت.
٣ م: الأحمر.
٤ المرزنجوش: نبت.
٥ م: فإن.
٦ م: كلامهم.
٧ انظرالاقتراح ص١٣.
٨ م: على قياس كلامهم.
٩ م: بنيا.
١٠ القردد: ما ارتفع وغلظ من الأرض.
١١ مهدد: اسم امرأة.
١٢ محبب: اسم رجل.
١٣ في حاشية ف: أبو زيد: مالي عنه عندد ومعلندد أي: بدّ.
١٤ الرمدد: الرماد الكثير الدقيق جدًّا.
١٥ الخشكنان: ضرب من الطعام.
١٦ سقط من م.

<<  <   >  >>