ثم قال الترمذي: قد رخص بعض أهل العلم أن يضحى عن الميت، ولم ير بعضهم أن يضحى عنه، وقال عبد الله بن المبارك: أحبُ إليَّ أن يتصدق عنه ولا يضحى، فإن ضحى فلا يأكل منها شيئاً ويتصدق بها كلها.
وأخرجه البيهقي في سننه وقال: إن ثبت هذا كان فيه دلالة في التضحية عن الميت.
ومن المعلوم عند أهل الحديث عدم ثباته وأنه ضعيف لا يحتج به.
ثم قال صاحب تحفة على الترمذي قلت: إني لم أجد في التضحية عن الميت منفرداً حديثاً صحيحاً مرفوعاً، وأما حديث علي المذكور في هذا الباب فضعيف كما عرفت.
وقد أخذ بعض الفقهاء بظاهر حديث علي، ولم ينظروا إلى ضعفه في سنده ومتنه ولا إلى عدم الإحتجاج به ولا إلى عدم عمل الصحابة بموجبه، لأن أكثر الفقهاء يتناقلون الأثر على علاته بدون تمحيص ولا تصحيح، وينقل بعضهم عن بعض حتى يشتهر وينتشر ويكون كالصحيح، وكل من تدبر أقوال الفقهاء القائلين بجواز الأضحية عن الميت مطلقاً أو بجوازها متى أوصى بها أو وقف وقفاً عليها، وجدهم يستدلون على ذلك بحديث علي هذا أن النبي أوصاه أن يضحي عنه، لظنهم أنه صحيح، لأن غالب الفقهاء لا يعرفون الصحيح من الضعيف معرفة تامة، فينشأ أحدهم على قول لا يعرف غيره، ولم يقف على كلام أهل الحديث في خلافه وضعفه فيظنه صحيحاً ويبني على ظنه جواز العمل به والحكم بموجبه، وقد استأنسوا في هذا الباب بما روي عن أبي العباس السراج وكان أحد مشايخ البخاري أنه قال: ختمت القرآن للنبي - صلى الله عليه وسلم - اثنتي عشرة ألف ختمة وضحيت عنه باثنتي عشرة ألف أضحية.
ذكر هذه الحكاية ابن مفلح في الفروع في إهداء ثواب الأعمال إلى الموتى من آخر كتاب الجنائز، وهي حكاية شخص عن فعل نفسه، ليست بأهل أن يصاخ لها، وليس من المفروض قبول هذه المجازفة الخارجة عن جدول الحق والعدل، إذ ليس عندنا دليل يثبت إهداء الأضحية وتلاوة القرآن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان صحيحاً لكان صفوة أصحابه وخاصة أهل بيته أحق بالسبق إلى ذلك، ولم يثبت عن أحد منهم أنه حج عن رسول الله أو صام أو أهدى ثواب قراءته أو أضحيته إليه، وإنما الأمر الذي عهده رسول الله لأمته، هو اتباع هديه والإعتصام بكتاب الله وسنة رسوله، وأن يكثروا من الصلاة والتسليم عليه