وهذه دلالة على قوة ذكائهم وصفاء عقولهم لأنهم يعرفون بداهة أن الاشتراك في التسمية لا يوجب الاشتراك والمماثلة في الذات، إذ يقال: رأس الرجل ورأس الجمل ورأس الذرة ورأس الجبل، وبين ذوات هذه الأشياء من الفروق ما لا يخفى على عاقل.
وكذلك بقية الصفات، ولهذا فإن عقلاء الناس حينما آمنوا بصفات الله عز وجل لم يتصورا فيها أي تشبيه، بل كانوا يعتبرون مجرد التفكير في المشابهة من وسواس الشيطان فيذكرون الله تعالي. كما أن إيمانهم بالصفات كان يجري كله على هذا المفهوم، فما كانوا يفرقون بين أن تكون الصفة ذاتية أو فعلية، ولم يحصل بينهم أي نزاع أو جدال في مسائل الأسماء والصفات، كما حصل عند من اتبع هواه ممن عطل أولاً ثم شبه ثانياً ثم زعم أنه ينزه الله تعالي.
ومن العجائب أن يثبت الله لنفسه الصفة وهم ينفونها عنه، ومثلهم في هذا كمثل شخص سأل آخر عن اسمه وهو لا يعرفه فأخبره فقال له: لا، إن اسمك ليس هذا، ذلك أن الله تعالى قال:{الرحمن علي العرش استوى} ، وهم يقولن: لا يجوز إثبات هذه الصفة بل يجب نفيها مطلقاً، أو تأويلها بمعني استولى أو قصد، أو غير ذلك من تأويلاتهم الباطلة.
وحينما قال تعالى عن نفسه:{وهو السميع البصير} ، قالوا: يجب نفي مدلول هذا نفياً تاماً أو تأويله؛ إما أن يكون بمعنى سميع بلا سمع بصير بلا بصر، أو أنه سميع بذاته بصير بذاته، إلي آخر مواقفهم الخاطئة تجاه كل الصفات والأسماء.
لقد عارض الجهمية ومن سار على طريقتهم كتاب الله وسنة نبيه، وقدموا آراءهم وما تراه عقولهم على نصوص الكتاب والسنة فلم يقفوا عند حدود فهم العقل ومدى قدرته، بل تجاوزوا ذلك وظنوا أنهم علي شيء، وزخرفوا