للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقاذف لا يقتل بل يقام عليه الحد، فدل على أنه ليس بمرتد، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كانت عنده لأخيه اليوم مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون درهم ولا دينار، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم ألقي في النار " (١) فثبت أن الظالم يكون له حسنات يستوفي المظلوم منها حقه "، ثم أورد حديث المفلس (٢) وقول الله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات} (٣) ، ثم قال: " فدل ذلك على أنه في حال إساءته يعمل حسنات تمحو سيئاته " (٤) .

وهذا جواب نفيس جامع لفوائد عظيمة وفيه بيان جلي لمذهب السلف في هذه القضية التي أخطأ فيها المعتزلة وجعلوا العصاة في منزلة بين المنزلتين في الدنيا، وحكموا بخلودهم في النار في الآخرة، ولم يلتفتوا إلى مشيئة الله تعالى في أولئك وهو الفعال لما يريد جل وعلا - فقطعوا عنه المشيئة، ثم زادوا الخطأ بآخر حينما حكموا بخلوده في النار مع من مات على الشرك ولم يسجد لله سجدة، ولا شك أن العقل يأبى هذا الحكم مع أنهم ممن يقدر العقل ويقدمه على النقل، ولكن الهوى يغطي على العقل والفهم إلا من وفقه الله تعالي.

٥- الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

هذا هو الأصل الأخير من أصول المعتزلة الخمسة.

وقد بين القاضي عبد الجبار حقيقة الأمر، والنهي، والمعروف، والمنكر،


(١) رواه البخاري في الرقاق ١١/٣٩٥، وفى المظالم أيضا ٥ / ١٠١.
(٢) هو حديث رواه مسلم ٨ / ١٨.
(٣) سورة هود: ١١٤.
(٤) أنظر: شرح الطحاوية ص ٣٠١ - ٣٠ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>