للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنا فإنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة؛ لأن العبد مجبور على فعله لا حول له ولا قوة.

قال الإمام ابن القيم عنهم:

والعبد عندهم فليس بفاعل ... بل فعله كتحرك الرجفان

وهبوب ريح أو تحرك نائم ... وتحرك الأشجار للميلان

والله يصليه على ما لم ليس من ... أفعاله حر الحميم الآن

لكن يعاقبه على أفعاله ... فيه تعالى الله ذو الإحسان

والظلم عندهم المحال لذاته ... أنى ينزه عنه ذو السلطان

ويكون مدحاً ذلك التنزيه ما ... هذا بمقبول لدى الأذهان

والمقصود بهذا بيان مذهب الجهم الذي قرر فيه أن العبد مسلوب الإرادة والاختيار لأفعاله، مثله مثل حركة المرتعد وهبوب الرياح وحركة النائم وحركة الأشجار وتمايلها بفعل الرياح، ثم زعموا ما لا يعقله أحد إلا هم ومن قال بقولهم؛ وهو أن الله عز وجل مع أنه هو الذي جبر الإنسان على فعله ورغماً عنه، ومع ذلك فإن الله يعذبه بنار جهنم مع أن الفعل هو نفسه فعل الله فيه.

وقالوا: إن هذا ليس بظلم، لأن الإنسان ملك الله؛ لأن الظلم في مفهومهم هو المحال لذاته غير المتصور وقوعه (١) ، وهذا تكذيب لقول الله: {ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} (٢) ، وقوله تعالي: {ومن جاء بالسيئة


(١) لأن الظلم عندهم عبارة عن الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة، والظلم كذلك لا يكون إلا من مأمور من غيره منهي وإلا ليس كذلك" شرح
الطحاوية ص٤٤٩
أي أن الظلم عندهم هو نفي الله ما لا يقدر عليه ولا يمكن منه، أما ما كان تحت قدرة الله تعالي فليس بظلم وأفعال ناتجة عن جبر الله تعالي لهم، وهذا الاعتقاد باطل وليس هو المراد من نفي الظلم عن الله تعالي.
(٢) سورة البقرة: ٢٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>