فقارن بين مواقف هؤلاء ومواقف أهل الحق أهل السنة والجماعة، الذين يسيرون وراء النصوص مستعملين عقولهم إلى الحد الذي تنتهي عنده، وبالتالي فالقائد هو النص إلى أن يصلوا إلى غاية ما يريدون أو يطلب منهم.
فأمنوا العثار واهتدوا إلى سواء السبيل، ورضوا بما جاء به كتاب ربهم وسنة نبيهم، وما كان علية سلفهم الكرام من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعلموا أن العقل الصحيح لا يعارض النقل الصحيح، فأراحوا أنفسهم عناء التأويلات والتكلفات التي ابتلى بها غيرهم، حين بحثوا كثيراً وأتبعوا أنفسهم طويلاً وخرجوا عن الحق الذي طلبوه بتلك التأويلات والتكلفات وهم لا يشعرون.
لأن السلف يعلمون أن النقل حينما جاء مخاطباً للعقل ومبيناً له الطريق الصحيح يعلمون أن بينهما توافقاً تاماً، فالخطاب إنما جاء لأهل العقول لا للمجانين ولا للحيوانات البهيمية، فكيف يتصور بعد ذلك أن العقل أعلى من النقل بحجة أن العقل هو الأصل وإلا لم يرد النص، فالنقل هو الموجه لمحل قابل للتوجيه وهو العقل، ولم تأت العقول لتوجه النقول في أي زمن من عمر البشر.
وزعمهم أن الدلالة النقلية ظنية بينما الدلالة العقلية قطعية (١) ، هذا كلام اخترعوه وأرادوا أن يؤصلوه، وإلا فإن السلف من الصحابة فمن بعدهم لا يعرفون هذه المسالك، بل كانوا يعتبرونها من وساوس الشيطان ومن نقص الإيمان وزعمهم هذا هو مثل زعمهم أن صدق الأنبياء إنما يتوقف على العقل، ولو كان هذا صحيحاً لآمن قوم نوح وسائر أمم الأنبياء، إذا إن لهم عقولاً، ولما احتاجوا إلى سماع النقل منهم عن الله تعالى