المذهب، بل يجب أن يكتم ذلك كتماناً شديداً، ولذلك يجب أن يكون المكاسر ذكياً ذا فراسة حتى لا يخطئ في معرفة نفسية المجتمع أو تقدير الناس الذين يخاطبهم.
فإذا فرض ووجد المكاسر أمامه خصماً عنيداً أكثر منه علماً وتبحراً في مختلف الفنون وجب على المكاسر في هذه الحالة -أن يلج في المسائل الفلسفية العميقة التي لا حد لها، والتي لا يفهمها العامة، ويدخل معه في مناقشات باطنية هي من أخص خواص الفلسفة الإسماعيلية التي لا يعرفها غير الدعاة، وبذلك ينجو المكاسر من الظهور بمظهر الضعف أمام العامة، بل ربما عظم شأنه في أعينهم؛ لأنه يتحدث عن أشياء لا يفهمونها ولا يعرفون كنهها.
هكذا كان الداعي المكاسر أو الداعي المكالب الذي كانت مرتبته أقل مراتب النظام الإسماعيلي للدعاية، فإذا كان هذا هو شأن أصغر الدعاة استطعنا أن ندرك ما كان عليه أمر كبار الدعاة على اختلاف درجاتهم وتباين مراتبهم.
وفي حالة توصل الداعي المكاسر إلى إقناع أحد المستجيبين ممن يرغبون الوصول إلى معرفة الحقيقة يأخذه إلى أحد الدعاة الذين هم أعلى منه مرتبة، فيلاطفه ويفاتحه في لين ورفق دون أن يظهر له صفته المذهبية أو شيئاً من عقائده؛ بل يكتفي بإطلاعه على بعض المسائل المذهبية، ويلمح له ببعض التأويلات الباطنية التي لا ضير في كشفها.
فإذا أصر المستجيب على الاستزادة من المعرفة أحاله إلى الداعي المأذون، وهو من دعاة الليل الذي يبدأ بأخذ العهود والمواثيق، فإذا وثق بإخلاص المستجيب بدأ يكاشفه ببعض الأسرار الخفية التي لا ينفر منها، ويتدرج به حتى