للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيدي الناس واستعباد أذهانهم وأفكارهم، لا زهداً حقيقياً عن الدنيا في أكثر أحوالهم؛ حيث وجد لبعضهم بعد موتهم مدخرات كثيرة مما يتنافى ودعوى الزهد؛ لأن الزهد الحقيقي هو ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، فلا رهبانية ولا تواكل ولا تحريم لما أحله الله من الطيبات، ولا استحلال ما لم يرد به الشرع، وهذا هو الزهد لا إظهار الفقر والعوز كما يراه غلاة المتصوفة.

إن تلك الصلة بين الصوفية وأهل الصفة التي يزعمها السهروردي والمنوفي محض خيال؛ ذلك أن أهل الصفة ما كانوا يحبون الفقر ولا يحبون الانفراد والعزلة عن الناس، وكيف يحبون العزلة والانفراد وهم في أكثر أماكن تجمع الناس؟! وأيضاً أكان مكثهم في الصفة بمحض رغبتهم أم كانت حالة طارئة أملتها عليهم الظروف المعيشية؟.

ذلك أنه لا يخفى على طلاب العلم - أن أهل الصفة كانوا من الفقراء الذين لا يجدون مأوى غير المسجد، في الوقت الذي كانوا يبحثون فيه بكل جد من أجل الوصول إلى حال اليسار والغنى، خصوصاً وهم يتلون قول الله تعالى {وَلاَ تَنسَ نَصِيِبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} ، كما يسمعون قول المصطفى صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير" (١) . وقوله أيضاً: "اليد العليا خير من اليد السفلى (٢) ".

فما كان أحدهم يحمل الزنبيل على ظهره ويطوف بالبيوت في طلب رزقه متكاسلاً عن العمل، متكلاً على ما في أيدي الناس أعطوه أم منعوه، كما هي


(١) أخرجه مسلم في صحيحه ٥/٥٢٠.
(٢) أخرجه البخاري ٥/٣٧، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>