عصر الترجمة لفلسفة هؤلاء؛ حيث أخذ التصوف منها جوانب لم ينكرها المنوفي وهو في كل كتاباته عنهم يكيل المدح للصوفية، وأن أول متصوف في الإسلام هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الله أمره بذلك ليسنّ الطرق الصوفية ابتداء بالخلوة في غار حراء ثم الزهد.
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول المتصوفة فكان ينبغي عليهم أن يقدروا هذا الموقف فيقبلون سنته لا أن يردوها ويعيبون أهل الظاهر كما يسمونهم ممن يخالفهم من أهل الحق حين يقولون لهم: أنتم تأخذون الحديث بسند ميت عن ميت، حدثني فلان وقد مات عن فلان وقد مات، على نحو ما قاله البسطامي ناعياً على علماء الشريعة ومفاخراً لهم حين قال لهم:
"أخذتم علمكم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت؛ ويقول أمثالنا: حدثني قلبي عن ربي، وأنتم تقولون: حدثني فلان وأين هو؟ قولوا: مات، عن فلان وأين هو؟ قالوا: مات".
وهذا القول إنما يدل على جهل وبغض للسنة النبوية ولأهلها وللطريقة التي يتداولها أهل الحق في تلقي دينهم من مصدره الفياض.
كما أنه من غير الإنصاف أن يقصروا ذلك المسلك عليهم فقط؛ لأنه في استطاعة كل شخص من الناس أن يقول حدثني قلبي عن ربي، وأن يدعي من الزهد والقرب من الله مثل ما يدعون، ثم أنه يلزم على قولهم الأسانيد الثابتة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أصحابها قد ماتوا فيقال لهم: والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه قد مات أيضاً.