للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْخُفَّيْنِ طَرِيقَ مَنْ رَدَّ الْحَدِيثَ كُلَّهُ لِأَنَّهُمْ إذَا اسْتَعْمَلُوا بَعْضَ الْحَدِيثِ وَتَرَكُوا بَعْضَهُ لَا مُخَالِفَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ فَقَدْ عَطَّلُوا مِنْ الْحَدِيثِ مَا اسْتَعْمَلُوا مِثْلَهُ وَقُلْت وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ بِتَوْهِينِ الْحَدِيثِ إذَا ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَعُمُومَهُ إذَا احْتَمَلَ الْقُرْآنُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا وَقَوْلُهُمْ لِمَنْ قَالَ بِالْحَدِيثِ فِي الْمَسْحِ وَتَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرِهِ إذَا كَانَ الْقُرْآنُ مُحْتَمِلًا لَأَنْ يَكُونَ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ خَالَفْت الْقُرْآنَ ظُلْمًا، قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَلَا تُقْبَلُ حُجَّتُهُمْ بِأَنْ أَنْكَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ، وَأَلْزَمُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقْرَبُ مِنْهُ وَأَحْفَظُ عَنْهُ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ بِالْقُرْآنِ وَأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَإِنْ لَمْ يَزَلْ فِي النَّاسِ إلَى الْيَوْمِ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ قَالَ لَا أَقْبَلُ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ رَدَّ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِلَا خَبَرٍ عَنْهُ حُجَّةٌ قُلْتُ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحُجَّةُ فِي الرَّدِّ لَوْ أَوْرَدُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَسَحَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَسْحِهِ لَا تَمْسَحُوا قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: وَلَا يُقْبَلُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ إذَا قَالَ قَائِلُهُمْ: لَمْ يَمْسَحْ النَّبِيُّ بَعْدَ الْمَائِدَةِ فَإِنَّمَا قَالَهُ بِعِلْمِ أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ قَالَ وَلَا قُلْت وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَمْسَحْ بَعْدَ الْمَائِدَةِ إذَا لَمْ يُرْوَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ قُلْت لَهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ الْقُرْآنُ السُّنَّةَ إلَّا أَحْدَثَ رَسُولُ اللَّهِ سُنَّةً تَنْسَخُهَا، قَالَ أَمَّا هَذَا فَأُحِبُّ أَنْ تُبَيِّنَهُ لِي قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ سَنَّ فَتَلْزَمُنَا سُنَّتَهُ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ سُنَّتَهُ بِالْقُرْآنِ وَلَا يُحْدِثُ النَّبِيُّ مَعَ الْقُرْآنِ سُنَّةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُنَّتَهُ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ أَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مَا حَرَّمَ مِنْ الْبُيُوعِ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وَقَوْلُهُ {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} أَوْ مَا جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الْآيَةُ وَقَوْلُهُ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فَلَا بَأْسَ بِكُلِّ بَيْعٍ عَنْ تَرَاضٍ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ قَبْلَ نُزُولِ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الْآيَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ كُلِّ ذِي رُوحٍ مَا خَلَا الْآدَمِيِّينَ ثُمَّ جَازَ هَذَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَجَازَ أَنْ تُؤْخَذَ الصَّدَقَةُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وَهَذَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَذَكَرْتُ لَهُ فِي هَذَا شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، فَقَالَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسَخَ السُّنَّةَ الْقُرْآنُ إلَّا وَمَعَ الْقُرْآنِ سُنَّةٌ تُبَيِّنُ أَنَّ الْأُولَى مَنْسُوخَةٌ وَإِلَّا دَخَلَ هَذَا كُلُّهُ وَكَانَ فِيهِ تَعْطِيلُ الْأَحَادِيثِ قُلْت وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْمَائِدَةِ إذَا لَمْ يُرْوَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ النَّبِيِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ عَلَى عِلْمِهِ.

وَقَدْ يَعْلَمُ غَيْرُهُ أَنَّهُ مَسَحَ بَعْدَهَا وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلَ غَيْرِهِ لَمْ يَمْسَحْ بَعْدَهَا إذْ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ هَذَا لَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ لَا يُقْبَلُ أَبَدًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ شَيْئًا مِثْلَ هَذَا إلَّا بِأَنْ يُقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَ صَاحِبِهِ دُونَ قَوْلِ النَّبِيِّ وَلَا نَجْعَلُ فِي قَوْلِهِ حُجَّةً وَإِنْ وَافَقَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ إذَا لَمْ يَعْزُهُ إلَى النَّبِيِّ بِخَبَرٍ يُخَالِفُهُ قَالَ: نَعَمْ قُلْت إنَّ هَذَا لَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ إنَّمَا قَالَ «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا»، وَرَجَمَ الثَّيِّبَيْنِ ثُمَّ نَزَلَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَنُزِّلَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فَنَسَخَ رَجْمَهُ بِالْجَلْدِ وَدَلَالَةُ أَنْ لَا يُقْطَعَ إلَّا مَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزِ مَا يَبْلُغُ رُبْعَ دِينَارٍ قَالَ: نَعَمْ، وَقُلْت لَهُ: وَلَا يَجُوزُ إذَا ذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبُو سَعِيدٍ أَوْ ابْنُ عُمَرَ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ فَقَضَى رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ الْمُتَقَدِّمِي الصُّحْبَةِ بِخِلَافِ مَا رَوَى أَحَدُ هَؤُلَاءِ عَنْ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بِخَبَرٍ صَادِقٍ عَنْهُ وَعِلْمِي بِأَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بِخَبَرٍ صَادِقٍ عَنْهُ لَعَلَّهُ مِنْ التَّابِعِينَ وَخَبَرُ صَاحِبِ النَّبِيِّ أَوْلَى بِأَنْ يَثْبُتَ مِنْ خَبَرِ تَابِعِيٍّ أَوْ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي أَنْ يَثْبُتَا فَإِذَا اسْتَوَيَا عُلِمَ بِأَنَّ النَّبِيَّ

<<  <   >  >>