قُلْتُمْ فِيهِ أَقَاوِيلَ لَعَلَّهُ لَوْ قِيلَ لِعَاقِلٍ تَخَاطَأَ فَقَالَ: مَا قُلْتُمْ لَكَانَ قَدْ أَحْسَنَ التَّخَاطُؤَ ثُمَّ ذَكَرْتَ فِيهِ الْحِجَجَ بِمَا ذَكَرْت مِنْ السُّنَّةِ وَقُلْتُ لَهُ: أَفِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ حُجَّةٌ؟ فَقَالَ: لَا، وَقُلْت أَلَيْسَتْ تَثْبُتُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي وَصَفْت؟ فَقَالَ: أَمَّا حَدِيثُ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ وَحَدِيثُ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْمَاءِ وَحَدِيثُ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ فَتَثْبُتُ بِإِسْنَادِهَا وَحَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ فَيَثْبُتُ بِشُهْرَتِهِ وَأَنَّهُ مَعْرُوفٌ فَقُلْت لَهُ: لَقَدْ خَالَفْتَهَا كُلَّهَا وَقُلْتَ قَوْلًا اخْتَرَعْتَهُ مُخَالِفًا لِلْأَخْبَارِ خَارِجًا مِنْ الْقِيَاسِ فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْت اُذْكُرْ الْقَدْرَ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ الْمَاءُ الرَّاكِدُ لَمْ يَنْجَسْ وَإِذَا نَقَصَ مِنْهُ الْمَاءُ الرَّاكِدُ نَجِسَ قَالَ: الَّذِي إذَا حُرَّك أَدْنَاهُ لَمْ يَضْطَرِبْ أَقْصَاهُ، فَقُلْت: أَقُلْت هَذَا خَبَرًا؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَقِيَاسًا -؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ مَعْقُولٌ أَنَّهُ يَخْتَلِطُ بِتَحْرِيكِ الْآدَمِيِّينَ وَلَا يَخْتَلِطُ. قُلْت أَرَأَيْت إنْ حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ فَاخْتَلَطَ قَالَ إنْ قُلْت إنَّهُ يَنْجَسُ إذَا اخْتَلَطَ مَا تَقُولُ قُلْت أَقُولُ أَرَأَيْت رِجْلًا مِنْ الْبَحْرِ تَضْطَرِبُ أَمْوَاجُهَا فَتَأْتِي مِنْ أَقْصَاهَا إلَى أَنْ تَفِيضَ عَلَى السَّاحِلِ إذَا هَاجَتْ الرِّيحُ أَتَخْتَلِطُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقُلْت أَفَتَنْجَسُ تِلْكَ الرِّجْلُ مِنْ الْبَحْرِ؟ قَالَ: لَا وَلَوْ قُلْت تَنْجَسُ تَفَاحَشَ عَلَيَّ قُلْت فَمَنْ كَلَّفَك قَوْلًا يُخَالِفُ السُّنَّةَ وَالْقِيَاسَ وَيُتَفَاحَشُ عَلَيْك فَلَا تَقُومُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا؟ قَالَ فَإِنْ قُلْت ذَلِكَ قُلْت فَيُقَالُ لَك أَيَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ مَاءَانِ خَالَطَتْهُمَا نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْ شَيْئًا لَا يَنْجَسُ أَحَدُهُمَا وَيَنْجَسُ الْآخَرُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِقَدَحٍ؟.
قَالَ: لَا قُلْت: وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ لَا يَنْجَسَ شَيْءٌ إلَّا بِأَنْ يَتَغَيَّرَ بِحَرَامٍ خَالَطَهُ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ أَوْ يَنْجَسُ كُلُّهُ بَلْ مَا خَالَطَهُ؟ قَالَ مَا يَسْتَقِيمُ فِي الْقِيَاسِ إلَّا هَذَا وَلَكِنْ لَا قِيَاسَ مَعَ خِلَافِ خَبَرٍ لَازِمٍ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت الْخَبَرَ اللَّازِمَ وَلَمْ تَقُلْ مَعْقُولًا وَلَمْ تَقِسْ وَزَعَمْت أَنَّ لَوْ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَتْ نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ دَلْوًا ثُمَّ طُهِّرَتْ الْبِئْرُ فَإِنْ طُرِحَتْ تِلْكَ الْعِشْرُونَ أَوْ الثَّلَاثُونَ دَلْوًا فِي بِئْرٍ أُخْرَى لَمْ يُنْزَحْ مِنْهَا إلَّا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ دَلْوًا وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ نُزِحَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ أَوْ سِتُّونَ دَلْوًا فَمَنْ وَقَّتَ لَك هَذَا فِي الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ بِطَعْمٍ حَرَامٍ وَلَا لَوْنُهُ وَلَا رِيحُهُ أَنْ يَنْجَسَ بَعْضُ الْمَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَيَنْجَسُ بَعْضُهُ أَمْ يَنْجَسُ كُلُّهُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْجَسُ كُلُّهُ.
قُلْت أَفَرَأَيْت شَيْئًا قَطُّ يَنْجَسُ كُلُّهُ فَيَخْرُجُ بَعْضُهُ فَتَذْهَبُ النَّجَاسَةُ مِنْ الْبَاقِي مِنْهُ أَتَقُولُ هَذَا فِي سَمْنٍ ذَائِبٍ أَوْ غَيْرِهِ؟ قَالَ لَيْسَ هَذَا بِقِيَاسٍ وَلَكِنَّا اتَّبَعْنَا فِيهِ الْأَثَرَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا قُلْت أَفَتُخَالِفُ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَقَدْ فَعَلْت وَخَالَفْت مَعَ ذَلِكَ عَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ زَعَمْت أَنَّ عَلِيًّا قَالَ إذَا وَقَعْت الْفَأْرَةُ فِي بِئْرٍ نُزِحَ مِنْهَا سَبْعَةُ أَوْ خَمْسَةُ دِلَاءٍ وَزَعَمْت أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ إلَّا بِعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ وَزَعَمْت أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَزَحَ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ وَقَعَ فِيهَا وَأَنْتَ تَقُولُ يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ أَوْ سِتُّونَ دَلْوًا قَالَ فَلَعَلَّ الْبِئْرَ تَغَيَّرَتْ بِدَمٍ قُلْت نَحْنُ نَقُولُ إذَا تَغَيَّرَتْ بِدَمٍ لَمْ تَطْهُرْ أَبَدًا حَتَّى لَا يُوجَدَ فِيهَا طَعْمُ دَمٍ وَلَا لَوْنُهُ وَلَا رِيحُهُ وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي زَمْزَمَ وَلَا فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مَاءً مِنْهَا وَأَوْسَعُ حَتَّى يَنْزِحَ فَلَيْسَ لَك فِي هَذَا شَيْءٌ وَهَذَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ ثَابِتٍ وَقَدْ خَالَفْتهمَا لَوْ كَانَ ثَابِتًا وَزَعَمْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ جُنُبًا فَدَخَلَ فِي بِئْرٍ يَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ نَجَسَ الْبِئْرُ وَلَمْ يَطْهُرْ ثُمَّ هَكَذَا إنْ دَخَلَ ثَانِيَةً ثُمَّ يَطْهُرُ الثَّالِثَةَ فَإِذَا كَانَ يَنْجَسُ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْجَسُ ثَانِيَةً وَكَانَ نَجِسًا قَبْلَ دُخُولِهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَطْهُرْ بِهَا وَلَا ثَانِيَةً أَلَيْسَ قَدْ ازْدَادَ فِي قَوْلِك نَجَاسَةً فَإِنَّهُ كَانَ نَجَسًا بِالْجَنَابَةِ ثُمَّ زَادَ نَجَاسَةً بِمُمَاسَّةِ الْمَاءِ النَّجِسِ فَكَيْفَ يَطْهُرُ بِالثَّالِثَةِ وَلَمْ يَطْهُرْ بِالثَّانِيَةِ قَبْلَهَا وَلَا بِالْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ؟ قَالَ إنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَطْهُرُ أَبَدًا.
قُلْت وَذَلِكَ يَلْزَمُك قَالَ يُتَفَاحَشُ وَيُتَفَاحَشُ وَيَخْرُجُ مِنْ أَقَاوِيلِ النَّاسِ قُلْت فَمَنْ كَلَّفَك خِلَافَ السُّنَّةِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ أَقَاوِيلِ النَّاسِ؟ وَقُلْت لَهُ وَزَعَمْت أَنَّك إنْ أَدْخَلْت يَدَك فِي بِئْرٍ تَنْوِي بِهَا أَنْ تُوَضِّئَهَا نَجِسَتْ الْبِئْرُ كُلُّهَا لِأَنَّهُ مَاءٌ تُوَضِّئُ بِهِ وَلَا تَطْهُرُ حَتَّى تُنْزَحَ كُلُّهَا وَإِذَا سَقَطَتْ فِيهَا مَيْتَةٌ طَهُرَتْ بِعِشْرِينَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثِينَ دَلْوًا فَزَعَمْت أَنَّ الْبِئْرَ بِدُخُولِ الْيَدِ الَّتِي لَا نَجَاسَةَ فِيهَا تَنْجَسُ كُلُّهَا فَلَا تَطْهُرُ أَبَدًا وَأَنَّهَا تَطْهُرُ مِنْ الْمَيْتَةِ بِعِشْرِينَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثِينَ هَلْ رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ زَعَمَ أَنَّ يَدَ مُسْلِمٍ تَنْجَسُ أَكْثَرَ مِمَّا تُنْجِسُهُ الْمَيْتَةُ وَزَعَمْت أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ وَلَا يَنْوِي وُضُوءًا طَهُرَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute