يَدُهُ لِلْوُضُوءِ وَلَمْ تَنْجَسْ الْبِئْرُ أَوْ رَأَيْت أَنْ لَوْ أَلْقَى فِيهَا جِيفَةً لَا يَنْوِي تَنْجِيسَهَا أَوْ يَنْوِيهِ أَوْ لَا يَنْوِي شَيْئًا أَذَلِكَ سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ النَّجَاسَةُ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَنِيَّتُهُ لَا تَصْنَعُ فِي الْمَاءِ شَيْئًا قُلْت: وَمَا خَالَطَهُ إمَّا طَاهِرٌ وَإِمَّا نَجَسٌ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ نِيَّتَهُ فِي الْوُضُوءِ تُنْجِسُ الْمَاءَ إنِّي لَأَحْسِبُكُمْ لَوْ قَالَ هَذَا غَيْرُكُمْ لَبَلَغْتُمْ بِهِ إلَى أَنْ تَقُولُوا الْقَلَمُ عَنْهُ مَرْفُوعٌ، فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ قَوْلُ الْحِجَازِيِّينَ فِي الْمَاءِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِنَا وَقَوْلُنَا فِيهِ خَطَأٌ قُلْت وَأَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ هَذَا فِيهِ قَالَ قَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ إلَى قَوْلِكُمْ نَحْوًا مِنْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِكُمْ قُلْت، وَمَا زَادَ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِنَا قُوَّةً وَلَا وَهَنَهُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَمَا فِيهِ مَعْنًى إلَّا أَنَّك تَرْوِي عَنْهُ مَا تَقُولُ عَلَيْهِ بِهِ الْحُجَّةُ مِنْ أَنْ يُقِيمَ عَلَى قَوْلِهِ، وَهُوَ يَرَاهُ خَطَأً قُلْت لَهُ زَعَمْت أَنَّ رَجُلًا إنْ وَضَّأَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ لِصَلَاةٍ وَلَا نَجَاسَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا يَدَيْهِ فِي طَسْتٍ نَظِيفٍ فَإِنْ أَصَابَ الْمَاءُ الَّذِي فِي ذَلِكَ الطَّسْتِ ثَوْبَهُ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَإِنْ صُبَّ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُنَجِّسْهَا وَيُصَلَّى عَلَيْهَا رَطْبَةً كَمَا هِيَ ثُمَّ إنْ صُبَّ فِي بِئْرٍ نَجَّسَ الْبِئْرَ كُلَّهَا وَلَمْ تَطْهُرْ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُنْزَحَ مَاؤُهَا كُلُّهُ وَلَوْ أَنَّ قَدْرَ الْمَاءِ الَّذِي وَضَّأَ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ كَانَ فِي إنَاءٍ فَوَقَعَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ نَجَّسَتْهُ وَإِنْ مَسَّ ثَوْبًا نَجَّسَهُ وَوَجَبَ غُسْلُهُ وَإِنْ صُبَّ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا رَطْبَةً وَإِنْ صُبَّ فِي بِئْرٍ طَهُرَتْ الْبِئْرُ بِأَنْ يُنْزَحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا أَوْ ثَلَاثُونَ دَلْوًا أَزَعَمْت أَنَّ الْمَاءَ الطَّاهِرَ أَكْثَرُ نَجَاسَةً مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ؟ قَالَ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ قَوْلَكُمْ فِي الْمَاءِ قُلْت أَفَتَرْجِعُ إلَى الْحَسَنِ فَمَا عَلِمْته رَجَعَ إلَيْهِ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّنْ تُرَأَّسَ مِنْهُمْ بَلْ عَلِمْت مَنْ ازْدَادَ مِنْ قَوْلِنَا فِي الْمَاءِ بُعْدًا فَقَالَ: إذَا وَقَعْت فَأْرَةٌ فِي بِئْرٍ لَمْ تَطْهُرْ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُحْفَرَ تَحْتَهَا بِئْرٌ فَيُفَرَّغَ مَاؤُهَا فِيهَا وَيُنْقَلَ طِينُهَا وَيُنْزَعَ بِنَاؤُهَا وَتُغْسَلَ مَرَّاتٍ.
وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ قَوْلَهُمْ هَذَا وَفِي هَذَا مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا لَا يَجْهَلُهُ عَالِمٌ وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فَذَهَبَ إلَى بَعْضِ قَوْلِهِمْ فِي الْمَاءِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ لَا يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ الْكَلْبِ سَبْعًا وَيَكْفِي فِيهِ دُونَ سَبْعٍ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ بِثُبُوتِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَافَقَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ وَأَنْ يُهْرَقَ الْمَاءُ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: إنْ وَلَغَ الْكَلْبُ بِالْبَادِيَةِ فِي اللَّبَنِ شُرِبَ اللَّبَنُ وَأُكِلَ وَغُسِلَ الْإِنَاءُ لِأَنَّ الْكِلَابَ لَمْ تَزَلْ بِالْبَادِيَةِ فَشَغَلَنَا الْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ عَمَّا وَصَفْنَا مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ. أَرَأَيْت إذْ زَعَمَ أَنَّ الْكَلْبَ يَلَغُ فِي اللَّبَنِ فَيَنْجَسُ الْإِنَاءُ بِمُمَاسَّةِ اللَّبَنِ الَّذِي مَاسَّهُ لِسَانُ الْكَلْبِ حَتَّى يُغْسَلَ فَكَيْفَ لَا يَنْجَسُ اللَّبَنُ وَإِذَا نَجِسَ اللَّبَنُ فَكَيْفَ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فَإِنْ قَالَ: لَا يَنْجَسُ اللَّبَنُ فَكَيْفَ يَنْجَسُ الْإِنَاءُ بِمُمَاسَّةِ اللَّبَنِ وَاللَّبَنُ غَيْرُ نَجَسٍ أَوْ رَأَيْت قَوْلَهُ مَا زَالَتْ الْكِلَابُ بِالْبَادِيَةِ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِالْبَادِيَةِ لَا تَنْجَسُ وَإِذَا كَانَتْ بِالْقَرْيَةِ نَجِسَتْ أَتَرَى أَنَّ الْبَادِيَةَ تُطَهِّرُهَا أَرَأَيْت إذَا كَانَ الْفَأْرُ وَالْوِزْغَانُ بِالْقَرْيَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْكِلَابِ بِالْبَادِيَةِ وَأَقْدَمَ مِنْهَا أَوْ فِي مِثْلِ قِدَمِهَا أَوْ أَحْرَى أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِنْهَا أَفَرَأَيْت إذَا وَقَعَتْ فَأْرَةٌ أَوْ وَزْغٌ أَوْ بَعْضُ دَوَابِّ الْبُيُوتِ فِي سَمْنٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ أَيُنَجِّسُهُ؟ قَالَ فَإِنْ قَالَ لَا يُنَجِّسُهُ فِي الْقَرْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَمُوتَ فِي بَعْضِ آنِيَتِهِمْ وَيُنَجِّسُهُ فِي الْبَادِيَةِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ قَوْلَيْهِ وَزَادَ فِي الْخَطَأِ.
وَإِنْ قَالَ: يُنَجِّسُهُ قِيلَ فَكَيْفَ لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي الْكَلْبِ فِي الْبَادِيَةِ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ يَضْبِطُونَ أَوْعِيَتَهُمْ مِنْ الْكِلَابِ ضَبْطًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ مِنْ الْفَأْرَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُمْ يوكئون عَلَى أَلْبَانِهِمْ الْقِرَبَ وَيَقِلُّ حَبْسُهُ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُمْ وَلَا يَبْقَوْنَهُ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُدَّخَرُ وَيُكْفِئُونَ عَلَيْهِ الْآنِيَةَ وَيَزْجُرُونَ الْكِلَابَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَضْرِبُونَهَا فَتَنْزَجِرُ وَلَا يُسْتَطَاعُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْفَأْرَةِ وَلَا دَوَابِّ الْبُيُوتِ بِحَالٍ وَأَهْلُ الْبُيُوتِ يَدَّخِرُونَ إدَامَهُمْ وَأَطْعِمَتَهُمْ لِلسَّنَةِ وَأَكْثَرَ فَكَيْفَ قَالَ هَذَا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ دُونَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَكَيْفَ جَازَ لِمَنْ قَالَ مَا أَحْكِي أَنْ يَعِيبَ أَحَدًا بِخِلَافِهِ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ عَيْبًا يُجَاوِزُ فِيهِ الْقَدْرَ، وَاَلَّذِي عَابَهُ لَمْ يَعْدُ أَنْ رَدَّ الْأَخْبَارَ وَلَمْ يَدَعْ مِنْ قَبُولِهَا مَا يَكْتَرِثُ بِهِ عَلَى قَائِلِهِ أَوْ آخَرَ اسْتَتَرَ مَنْ رَدِّ الْأَخْبَارَ وَوَجَّهَهَا وُجُوهًا تَحْتَمِلُهَا أَوْ تَشَبَّهَ بِهَا فَعِبْنَا مَذْهَبَهُمْ وَعَابَهُ ثُمَّ شَرَكَهُمْ فِي بَعْضِ أُمُورِهِمْ فَرَدَّ هَذَا مِنْ الْأَخْبَارِ بِلَا وَجْهٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute