للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا وَصَفْت وَالْحُجَّةُ بِهَذَا ثَابِتَةٌ لِكُلِّ مَنْ صَحَّحَ الْأَخْذَ بِالْحَدِيثِ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ عَلَى مَنْ أَخَذَ بِبَعْضٍ وَتَرَكَ بَعْضًا وَلَكِنْ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَهَبَ إلَى شَيْءٍ مِنْ التَّأْوِيلِ فَمَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ قُلْت فَسَنَذْكُرُ مِنْ التَّأْوِيلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِيهِ وَمَا سَلَكَ فِيهِ سَالِكٌ طَرِيقًا خَالَفَ الْحَقَّ عِنْدَنَا كَانَ أَشْبَهَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَى كُلِّ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْك مِنْ أَصْحَابِك لِأَنَّكُمْ قُلْتُمْ وَلَكُمْ عِلْمٌ بِمَذَاهِبِ النَّاسِ وَبَيَانِ الْعُقُولِ وَكَلِمَتُهُ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ سَلَكَ طَرِيقَهُ فِيمَا تَأَوَّلُوا وَرَأَيْتهمْ غَلِطُوا فِيهِ وَخَلَطُوا بِوُجُوهٍ شَتَّى أُمَثِّلُ مِمَّا حَضَرَنِي مِنْهَا مِثَالًا يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَبَانَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - لِخَلْقِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَ كِتَابَهُ بِلِسَانِ نَبِيِّهِ وَهُوَ لِسَانُ قَوْمِهِ الْعَرَبِ فَخَاطَبَهُمْ بِلِسَانِهِمْ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي كَلَامِهِمْ وَكَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ مَعَانِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَلْفِظُونَ بِالشَّيْءِ عَامًّا يُرِيدُونَ بِهِ الْعَامَّ وَعَامًّا يُرِيدُونَ بِهِ الْخَاصَّ ثُمَّ دَلَّهُمْ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَأَبَانَ لَهُمْ أَنَّ مَا قَبِلُوا عَنْ نَبِيِّهِ فَعَنْهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - قَبِلُوا بِمَا فَرَضَ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ مِنْهَا {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وَقَوْلُهُ {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} قَالَ وَقَدْ اخْتَصَرْت مِنْ تَمْثِيلِ مَا يَدُلُّ الْكِتَابُ عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْأَحْكَامِ عَامًّا أُرِيدَ بِهِ الْعَامَّ وَكَتَبْته فِي كِتَابٍ غَيْرِ هَذَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ وَكَتَبْتُ مَعَهُ غَيْرَهُ مِمَّا أُنْزِلَ عَامًّا يُرَادُ الْخَاصُّ وَكَتَبْت فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمَّا نَزَلَ عَامُّ الظَّاهِرِ مَا دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ لِإِبَانَةِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ مَا رَأَيْنَاهُ مُخَالِفًا فِيهِ طَرِيقَ مَنْ رَضِينَا مَذْهَبَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

مِنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الْآيَةُ، وَقَالَ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} فَكَانَ ظَاهِرُ مَخْرَجِ هَذَا عَامًّا عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فَدَلَّ أَمْرُ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَمَرَ فِيهِمَا بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وُجِدُوا حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَأَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدَّيْنُ كُلُّهُ لِلَّهِ، مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَكَذَلِكَ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَهَذَا مِنْ الْعَامِّ الَّذِي دَلَّ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ لَا أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةٌ لِلْأُخْرَى لِأَنَّ لِإِعْمَالِهِمَا مَعًا وَجْهًا بِأَنْ كَانَ كُلُّ أَهْلِ الشِّرْكِ صِنْفَيْنِ صِنْفٌ أَهْلُ الْكِتَابِ وَصِنْفٌ غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِهَذَا فِي الْقُرْآنِ نَظَائِرُ وَفِي السُّنَنِ مِثْلُ هَذَا قَالَ وَالنَّاسِخُ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَمْرُ يُنْزِلُهُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ الْأَمْرِ يُخَالِفُهُ كَمَا حَوَّلَ الْقِبْلَةَ قَالَ {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} وَقَالَ {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} وَأَشْبَاهٌ لَهُ كَثِيرَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ قَالَ وَلَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}.

وَقَوْلُهُ {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} فَأَبَانَ أَنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ وَأَبَانَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى رَسُولِهِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ، فَقَالَ: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} وَشَهِدَ لَهُ بِاتِّبَاعِهِ، فَقَالَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - صِرَاطِ اللَّهِ} فَأَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّهُ يَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطِهِ قَالَ: فَتُقَامُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - مَقَامَ الْبَيَانِ عَنْ اللَّهِ عَدَدَ فَرْضِهِ كَبَيَانِ مَا أَرَادَ بِمَا أَنْزَلَ عَامًّا الْعَامَّ أَرَادَ بِهِ أَوْ الْخَاصَّ وَمَا أَنْزَلَ فَرْضًا وَأَدَبًا وَإِبَاحَةً وَإِرْشَادًا إلَّا أَنَّ شَيْئًا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ فِي حَالٍ لِأَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - قَدْ أَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ رَسُولَهُ يَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ وَلَا أَنَّ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ نَاسِخٌ لِكِتَابِ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ وَالسُّنَّةُ تَبَعٌ لِلْقُرْآنِ، وَقَدْ اخْتَصَرْتُ مِنْ إبَانَةِ السُّنَّةِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ بَعْضَ مَا حَضَرَنِي مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} فَدَلَّ رَسُولُ اللَّهِ

<<  <   >  >>