واحتج القائلون بكونه حقيقة في الوجوب بنصوص كثيرة من الكتاب العزيز، والسنة النبوية الشريفة دالة على ذلك، وهي وإن لم تكن قطعية في آحادها فمجموعها يحصل القطع، ونصوصية آحادها تتوقف على العلم بالتجرد عن القرائن، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وما ذكره بعض شروح المراقي من أن من أصرحها حديث بريرة ـ رضي الله سبحانه وتعالى عنها ـ غير بين جدا، إذ مقتضى الحديث أن الصيغة التي هي موضوع البحث للطلب الأعم من الوجوب، إما على وجه الاشتراك أو التواطئ، ولو كانت نصا في الوجوب لم يكن لسؤالها وجه.
وإنما اقتضى كلامها أن لفظ الأمر للوجوب، والذي يجري على ما سبق له تبعا للأصل ـ من أن الأمر حقيقة في الطلب وإن لم يكن جازما، وأن الخلاف إنما هو في صيغة افعل وما في معناها ـ أن المراد بقولها: أتأمرني: أتعزم علي، مجازا.
نعم ما سبق هناك محل نظر، فمقتضاه أن الندب لم توضع له صيغة على قول الأكثرين، مع أنه أمر حقيقة، وهو غير بين.
وأيضا ما احتجوا به من النصوص مما ذكره الشيخ ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في الأصل، والبعض المذكور، صريح في انتفاء اسم الأمر عن الندب، فانظر ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومفهم الوجوب يُدرى الشرع … أو الحجا أو المفيد الوضع
معناه أنه اختلف في ما يدل على اقتضاء الصيغة الوجوب، فقيل: الدال على ذلك هو الشرع، واحتج قائله بما سبقت الإشارة إليه من النصوص التي ظاهرها اللوم على مخالفة الأمر المجرد.
وقيل: الدال عليه العقل، وهو المراد بالحجا في البيت، واحتج قائله بأن الطلب الذي تدل عليه اللغة، إن لم يحمل على الوجوب، جاز الترك، وصار المعنى افعل إن شئت.
قال في النشر: وقوبل بمثله في الحمل على الوجوب، فإنه يصير المعنى افعل من غير تجويز ترك اهـ
وقيل: الدال عليه هو اللغة، وهو المراد بقوله: أو المفيد الوضع، واحتج له بحكم أهل