للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

من فروعها، فقال أبو الطاهر (١) ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ وغيره، في قول الفقهاء: التيمم إلى الكوعين، أو إلى المرفقين، أو الإبطين، ثلاثة أقوال، أن ذلك يتخرج على هذه القاعدة، هل يؤخذ بأوائل الأسماء اقتصر على الكوع أو بأواخرها فيصل إلى الإبط؟ ويجعلون كل ما هو من هذا الباب مخرجا على هذه القاعدة.

وهذا باطل إجماعا، ومنشأ الغلط إجراء أحكام الجزئيات على الأجزاء، والتسوية بينهما، ولا خلاف أن الحكم في الكل لا يقتصر به على جزئه، فلا تجزئ ركعة عن ركعتين في الصبح، ولا يوم عن شهر رمضان في الصوم، ونظائره كثيرة.

إنما معنى هذه القاعدة إذا علق الحكم على معنى كلي، له محال كثيرة، وجزئيات متباينة في العلو والدناءة، والكثرة والقلة، هل يقتصر بذلك الحكم على أدنى المراتب، لتحقق المسمى بجملته فيه، أو يسلك طريق الاحتياط، فيقصد في ذلك المعنى أعلى المراتب؟ هذا موضع الخلاف.

ومثاله إذا قال رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ـ: " إذا ركعتَ فاطمئن راكعا " (٢) فأمر بالطمأنينة، فهل يكتفى بأدنى رتبة تصدق فيه الطمأنينة، أو يقصد أعلاها؟ وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " خللوا الشعر، وأنقوا البشرة " (٣) يقتضي التدليك، هل يقتصر على أدنى رتبة التدليك، أو أعلاها؟

فهذه صورة هذه القاعدة في الجزئيات في المحل، لا في الأجزاء، ثم الفرق أن الجزء لا يستلزم الكل، والجزئي يستلزم الكلي، فلذلك أجزأ الثاني، دون الأول، فأدنى رتب الموالاة موالاة، وليست الركعة ركعتين، ولا اليوم شهرا.

إلى أن قال: وقوله: والزائد على ذلك إما مندوب، أو ساقط، فالمندوب كالطمأنينة، والساقط كزيادة التدلك، فإن الشرع لم يندب لزيادة التدلك، كما ندب لزيادة الطمأنينة، ووجب الاقتصار على أول الرتب، جمعا بين الدال على الوجوب، وأن الأصل براءة الذمة،


(١) لعله يقصد ابن بشير ـ رحمهما الله سبحانه وتعالى ـ.
(٢) معناه متفق عليه من حديث الأعرابي، وهذا اللفظ لم أقف عليه.
(٣) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأقرب ما وقفت عليه إليه، حديث أبي داود والترمذي " تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر " وهو حديث ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>