فإن استغرق بعض مما بعد الأول، دون بعض، نحو: له علي عشرة، إلا اثنين، إلا ثلاثة، إلا واحدا، كان المستغرق ـ وهو الثلاثة في المثال المذكور ـ عائدا إلى الأول، لامتناع خروجه مما قبله، ويكون غيره ـ وهو الواحد ـ عائدا إلى ما يليه، لقربه، وعدم المانع، وهو الثلاثة، نقله الشربيني عن العضد ـ رحمهما الله سبحانه وتعالى ـ.
وإذا استغرق الأول دون ما بعده، نحو: له علي عشرة إلا عشرة إلا ثلاثة، فقيل يبطل الأول لاستغراقه، واختلف القائل به هل يبطل الثاني تبعا له، فيلزم مجموع العشرة، أو لا يبطل، فتلزم سبعة.
وقيل: لا يبطل الأول، بل يكون ذلك قرينة على تركب الاستثناءين، وأن المستثنى: هو الخارج من عشرة إلا ثلاثة، وهو سبعة، فتلزم ثلاثة، وكأنه قال: له عشرة إلا سبعة، وإلى هذا أشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بقوله:
وحيث ما استغرق الاول فقط … فألغ واعتبر بخلف في النمط
وقوله ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ:
وكل ما يكون فيه العطف … من قبل الاستثنا فكلا يقفو
دون دليل العقل أو ذي السمع ...........................
معناه أن الاستثناء إذا وقع بعد متعاطفات، كان استثناء من كل واحد منها، حيث لم يمنع من ذلك مانع، اتفاقا على ما لبعضهم في المفردات، نحو: أكرم الفقراء، وأبناء السبيل، وطلبة العلم، إلا الفسقة، وعند الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد، وأصحابهم، والأكثر، في الجمل، لأن ذلك هو ظاهر الكلام، إذ الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في المتعلقات.
وقيل: إنما يعود لجميع الجمل إذ اتفق المعنى فيها، نحو حبست داري على أبناء السبيل، ووقفت بستاني على طلبة العلم، وسبلت بئري على الفقراء إلا أن يتنازعوا، فالتحبيس والوقف والتسبيل ألفاظ مترادفة، فيكون الاستثناء عائدا إلى الجمل الثلاث. وقال الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: يعود إلى الأخيرة خاصة، ونقل عن الظاهرية.