للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيه مذهبان مشهوران، المرجح منهما وجوب العمل فيه بالإجماع، وهو ظاهر كلام القاضي، وأبي الخطاب، وابن عقيل ـ رحمهم الله سبحانه وتعالى ـ وغيرهم في حد الإجماع، واختاره ابن حمدان، والآمدي، وأتباعه ـ رحمهم الله سبحانه وتعالى ـ وهو أظهر، لأن الدليل السمعي دل على التمسك به مطلقا من غير تقييد، فوجب المصير إليه، لأن الأصل عدم التقييد.

قال ابن قاضي الجبل: هذا قول الجمهور، وللقاضي عبد الجبار المعتزلي فيه قولان: أحدهما المنع، ووجهه اختلاف المصالح بحسب الأحوال، فلو كان حجة لزم ترك المصلحة، وإثبات المفسدة، وقطع به الغزالي، وصححه السمعاني، وهو ظاهر كلام الموفق في الروضة في حد الإجماع، والطوفي في مختصره، وابن حمدان في مقنعه، وغيرهم.

قال الكوراني: لا معنى للإجماع في ذلك، إلى أن قال: والمجمع عليه لا يجوز خلافه، وما ذكروه من أمور الحرب ونحوها، إن أثم مخالف ذلك فلكونه شرعيا، وإلا فلا معنى لوجوب اتباعه اهـ

ونقل عن البرماوي - رحمه الله سبحانه وتعالى - الاتفاق في الأمور اللغوية، ونقل عن القرطبي - رحمه الله سبحانه وتعالى - قولا باختصاص الاعتداد به فيها، بالمتعلقة بالدين خاصة.

وكأن وجه القول باختصاص الإجماع بالمسائل الشرعية، أن الحديث إنما دل على أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، والمتبادر من الضلالة المخالفة في الشرعيات خاصة، وفي الحديث " كل ضلالة في النار " (١) والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولا ينافي ذلك تعين اتباع الإجماع في بعض الأمور الدنيوية، كما سبق من أمر الحرب، وكما في المسائل الطبية ونحوها، فوجوب العمل به في ذلك ليس لعصمته، بل لوجوب العمل بما يظهر أنه المصلحة، وقد علم اليوم بطلان مسائل كثيرة من الأمور التي كانت متفقا عليها بين أهل التجربة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فالإلغا لمن عم انتقي


(١) رواه النسائي وهو حديث صحيح، وأصله في مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>