للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صحت تعدية الحكم، وإلا فلا.

وذلك هو ما قرره التاج السبكي - رحمه الله سبحانه وتعالى - في رفع الحاجب ونصه: نحن وإن جوزنا القياس في الحدود، والكفارات، والرخص، والتقديرات على الجملة، فلا ننكر وجدان ما لا يعلل، ويلتحق بمحض التعبد، وعلى هذا فلا بد من أمارة يعرف بها القسم الذي يجري فيه التعليل، من غيره.

وجماع القول عندنا، أن كل حكم يجوز أن يستنبط منه معنى مخيل، من كتاب، أو نص سنة، أو إجماع، فإنه يعلل، وما لا يصح فيه هذا، فلا يعلل، سواء أكان من الحدود والكفارات، أم غيرها.

فإن قلت: هل يصح إثبات حد مبتدإ، أو كفارة مبتدأة بالقياس؟

قلت: لا يصح، ولكن ليس لما يتوهمون من نفي القياس في الحدود، والكفارات، بل لأنه لا طريق توصل هنا إلى فهم العلة.

ولو صح لنا معنى في ذلك، لما تحاشينا من التعلق به، فافهم هذا، واجمع به بينه وبين قول المصنف في ما سبق: إن من شرط الأصل ألا يكون معدولا به عن سنن القياس، كمقادير الحدود والكفارات.

واعلم أن نفس مقادير الحدود والكفارات لا يفهم فيها معنى، فكيف يصح القياس فيها؟

وهذا بخلاف أصل الحدود، فنحن إنما نمنع القياس حيث لا يعقل المعنى، وذلك في مقادير الحدود، والكفارات، لا أصلها.

وإذا عرف هذا فاعلم أن أئمتنا قالوا:

من الأحكام ما يعلل جملة وتفصيلا، وهو كل ما يمكن إبداء معنى في أصله وفرعه.

وما يعلل جملة، دون تفاصيله، لعدم اطراد التعليل في التفاصيل.

وما يعلل تفاصيله، دون جملته، كالكتابة، والإجارة، وفروع تحمل العاقلة.

فلا يظن الظان أن إلحاقنا الكتابة الفاسدة - مثلا - بالصحيحة، حيد عن سنن الصواب، متعلقا بأن الكتابة غير معقولة المعنى، فكيف يقاس عليها؟

<<  <  ج: ص:  >  >>