للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أهل العلم، مما يقتضي أنه يتكلم في الاستصحاب، فلينظر ذلك مع ما قيل من أن المراد في مسألة البيت انتفاء مدرك حكم خاص، وفي الاستصحاب انتفاء مدارك الأحكام الخمسة.

وظاهر كلام أبي حامد الغزالي - رحمه الله سبحانه وتعالى - أن حجية الاستصحاب خاصة بما علم فيه انتفاء الدليل، فعدم العلم بالدليل، ليس بدليل ملزم للخصم، وإنما الدليل الملزم، العلم بعدم الدليل، نعم ظن عدم الدليل حجة في العمل، لوجوب العمل على المجتهد بالراجح عنده، ونصه:

الأصل الرابع: دليل العقل والاستصحاب:

اعلم أن الأحكام السمعية، لا تدرك بالعقل، لكن دل العقل على براءة الذمة عن الواجبات، وسقوط الحرج عن الخلق في الحركات والسكنات قبل بعثة الرسل - عليهم الصلاة والسلام ـ وتأييدهم بالمعجزات، وانتفاء الأحكام معلوم بدليل العقل، قبل ورود السمع، ونحن على استصحاب ذلك إلى أن يرد السمع.

فإذا ورد نبي وأوجب خمس صلوات، فتبقى الصلاة السادسة غير واجبة، لا بتصريح النبي بنفيها، لكن كان وجوبها منتفيا، إذ لا مثبت للوجوب، فبقي على النفي الأصلي، لأن نطقه بالإيجاب قاصر على الخمسة، فبقي على النفي في حق السادسة، وكأن السمع لم يرد.

وكذلك إذا أوجب صوم رمضان، بقي صوم شوال على النفي الأصلي.

وإذا أوجب عبادة في وقت، بقيت الذمة بعد انقضاء الوقت على البراءة الأصلية.

وإذا أوجب على القادر، بقي العاجز على ما كان عليه.

فإذاً النظر في الأحكام، إما أن يكون في إثباتها، أو في نفيها.

أما إثباتها، فالعقل قاصر عن الدلالة عليه.

وأما النفي، فالعقل قد دل عليه، إلى أن يرد الدليل السمعي بالمعنى الناقل من النفي الأصلي، فانتهض دليلا على أحد الشطرين، وهو النفي.

فإن قيل: إذا كان العقل دليلا بشرط أن لا يرد سمع، فبعد بعثة الرسل، ووضع الشرع، لا يعلم نفي السمع، فلا يكون انتفاء الحكم معلوما، ومنتهاكم عدم العلم بورود السمع، وعدم العلم لا يكون حجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>