وظاهر قوله - رحمه الله سبحانه وتعالى -: ويحفظ المدرك، أن المراد ذكره مع مأخذه، والترقي: تفعل من الرقي، وهو الصعود، والمدارج: مدرج: المسلك، والمذهب، أو مدرجة: ما يتوصل به لغيره، والسنا - بفتح السين -: الشرف، والمراد به الاجتهاد.
ومن فوائد ذكر الضعيف كذلك مراعاته، على القول بعدم اختصاص مراعاة الخلاف بما قوي مدركه، وهو المراد بقوله - رحمه الله سبحانه وتعالى -: ولمراعاة الخلاف البيت.
ومن فوائد ذكره كذلك أن الضرورة قد تلجئ إلى المصير إليه، والمصير إليه عند الضرورة جائز، وهذا إذا لم يشتد ضعفه، وثبتت نسبته إلى قائله، وتحقق العالم الضرورة من نفسه، ولا يجوز له أن يفتي به غيره، إذ لا يتحقق الضرورة بالنسبة إلى غيره كما يتحققها من نفسه.
قال في النشر: ولذلك سدوا الذريعة، فقالوا: تمنع الفتوى بغير المشهور، خوف أن لا تكون الضرورة محققة، لا لأجل أنه لا يعمل بالضعيف إذا تحققت الضرورة يوما ما، ذكره شيخنا البناني ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ عند قول خليل ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: فحكم بقول مقلده اهـ
وهذا في غير الضعيف الذي يجرى به العمل، لأن ضعفه إنما هو باعتبار زمان سابق، بل الصواب أن مسألة الضعيف قبل جريان العمل به، غير مسألته بعد جريان العمل به، فهما مسألتان، لاختلاف المبنى، لأن إجراء العمل به مبني على معنى طارئ لو اطلع عليه القائلون بالراجح لرجعوا إليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فقول من قلد عالما لقي … ألله سالما فغير مطلق
معناه إذا تبين لك ما تقدم، علمت أن قول بعضهم: من قلد عالما لقي الله - سبحانه وتعالى - سالما ليس على عمومه، فليس كل قول يجوز التقليد فيه، والعمل به.
ولا يخفى أنه لا يراد بالضرورة المشترطة في العمل بالضعيف الضرورة القصوى، كإساغة غصة، وما يسد الرمق، ونحو ذلك، إذ لا تتوقف سببية ذلك النوع من الضرورة للإباحة، على شيء مما ذكر، ويبعد أن يراد بها مطلق الحاجة، ولعل في قولهم في تعليل منع الفتوى به: إنه لا يتحقق الضرورة بالنسبة إلى غيره كما يتحققها من نفسه، ما يشهد لذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.