أراد - رحمه الله سبحانه وتعالى - بهذا أن العلة الأقل أوصافا، مقدمة على مقابلتها، فذات الوصف الواحد، مقدمة على المركبة من وصفين، والمركبة من وصفين مقدمة على المركبة من ثلاثة، وهكذا لأن الأوصاف كلما قلت، قل تطرق احتمال العدم.
وقال أبو الوليد الباجي - رحمه الله سبحانه وتعالى - في الإشارة: ولأن كل وصف يحتاج في إثباته إلى ضرب من الاجتهاد، وكلما استغنى الدليل عن كثرة الاجتهاد كان أولى اهـ
وقيل: بالعكس، لأن اشتراك الفرع مع الأصل في أمور كثيرة، أبلغ دلالة على الشبه والاستواء من عكسه.
ذاتيةً قدِّم وذات تعديه … وما احتياطا علمت مقتضيه
قوله - رحمه الله سبحانه وتعالى -: ذاتية قدم، معناه أن العلة الذاتية، مقدمة على العلة الحكمية، والذاتية هي الوصف القائم بالذات، كالإسكار في الخمر، والطعم في الطعام، وقدم السمعاني - رحمه الله سبحانه وتعالى – الحكمية، كالطهارة، والحرمة، على الذاتية، لأن الحكم بالحكم أشبه.
قوله - رحمه الله سبحانه وتعالى -: وذات تعديه، معناه أن العلة المتعدية أرجح عند الجمهور من العلة القاصرة، للاختلاف في جواز التعليل بالقاصرة، ولأن المتعدية أفيد بالإلحاق بها، ورجح أبو إسحاق الإسفرائيني - رحمه الله سبحانه وتعالى - القاصرة، لأن الخطأ فيها أقل، وقال القاضي - رحمه الله سبحانه وتعالى - هما سواء.
قوله - رحمه الله سبحانه وتعالى -: وما احتياطا إلخ، معناه أن العلة التي يتضمن الإلحاق بها احتياطا في الواجب، مقدمة على ما لا تقتضيه، كتعليل نقض الوضوء بمطلق المس، مع تعليله بالمس لشهوة، فالتعليل بمطلق المس، أحوط في تحصيل الطهارة، التي هي شرط.
وقدمنْ ما حكم أصلها جرى … معللا وفقا لدى من غبرا
معناه أن العلة المتفق على تعليل حكم أصلها، مقدمة على العلة المختلف في تعليل حكم أصلها، للاختلاف في الثانية.