الاستواء في الورع، فقيل: يقدم الأعلم، وهو الابين، وقيل لا ترجيح بذلك، وإلى هذا أشار - رحمه الله سبحانه وتعالى - بقوله: وزائدا في العلم بعض قدما.
وإن استووا في العلم مع التفاوت في الورع، قدم الأورع، لسببية الأورعية لزيادة التثبت في الاجتهاد، وإلى هذا أشار - رحمه الله سبحانه وتعالى - ببقية البيت.
ونحو هذا البحث في تقليد العامي لأحد المجتهدين عند مانع تقليد المفضول، - كما سيأتي إن شاء الله سبحانه وتعالى -.
وانظر ما حكم العالم المذكور إن كان قاضيا، أو محكما.
وجائز تقليد ذي اجتهاد … وهو مفضول بلا استبعاد
مذهب الجمهور جواز تقليد العامي للمجتهد المفضول علما وورعا، مع وجود الفاضل علما وورعا، لوقوعه في زمن الصحابة منتشرا متكررا، من غير نكير، فكان كالإجماع منهم على الجواز، فتقليد العامي أي واحد من مذاهب المجتهدين كاف في براءة ذمته، فهي كلها طرق موصلة إلى الجنة، كما أشار إليه - رحمه الله سبحانه وتعالى - بقوله:
فكل مذهب وسيلة إلى … دار الحبور والقصور جعلا
والحبور: النعيم، والقصور: جمع قصر، والمراد بدارهما الجنة.
وذهب قوم - منهم الإمام أحمد، وابن القصار من المالكية، وابن سريج والغزالي من الشافعية ـ رحمهم الله سبحانه وتعالى أجمعين - إلى منع تقليد المفضول، لأن أقوال المجتهدين في حق المقلد كالأدلة، فيجب الأخذ بالراجح منها، وهو قول الفاضل، ويعرفه العامي بالتسامع وغيره، وإليه أشار - رحمه الله سبحانه وتعالى - بقوله:
وموجب تقليد الارجح وجب … لديه بحث عن إمام منتخب
قال التاج السبكي - رحمه الله سبحانه وتعالى -: ثالثها المختار يجوز لمعتقده فاضلا أو مساويا، ومن ثم يجب البحث عن الأرجح، فإن اعتقد رجحان واحد منهم تعين، والراجح علما، فوق الراجح ورعا، على الاصح اهـ
إذا سمعتَ فالإمام مالكُ … صح له الشأو الذي لا يدرك
للأثر الصحيح معْ حسن النظر … في كل فن كالكتاب والأثر