للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الاسترشاد، لتذعن نفسه وتطمئن، لا إن كان على وجه التعنت والمغالبة والجدال، ويؤمر العالم استحبابا كما صرح به البناني - رحمه الله سبحانه وتعالى - ببيانه له، إن لم يقصر فهمه عنه، وإلا اعتذر له بخفاء المدرك.

يندب للمفتي اطراحه النظر … إلى الحطام جاعل الرضا الوطر

متصفا بحلية الوقار … محاشيا مجالس الأشرار

معناه أنه يندب للمفتي أن يجعل حاجته ومقصده من إفتائه، نيل رضى الله - سبحانه وتعالى - بإرشاد من يفتيهم، إلى حكم الله - سبحانه وتعالى - وبيان الشرع لهم في ما ينزل بهم، ولا يجعل تحصيل حطام الدنيا الفانية من مال أو منصب، مطلبا له في ذلك، وأن يلازم السكينة والوقار، ويتجنب مجالس أهل السفه والمجون.

وكذلك كل أصحاب المناصب الدينية من معلم، وإمام، ومحتسب، وغيرهم، وأصل بعض ذلك واجب، والتنزه في ما لا يحرم منه مستحب متأكد الاستحباب.

والارض لا عن قائم مجتهد … تخلو إلى تزلزل القواعد

وهو جائز بحكم العقل … مع احتمال كونه بالنقل

المختار عند قوم - منهم ابن الحاجب - جواز خلو الزمان عقلا وشرعا عن مجتهد، إذ لا موجب لمنعه، والأصل عدمه، بل جاء في الشرع ما ظاهره وقوع الخلو منه كحديث " حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا " (١) الحديث.

ومنع ذلك الحنابلة عقلا، واستدلوا بحديث " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلم حتى يأتي أمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ وهم كذلك " (٢) وأجيب بأن هذا أعم من المطلوب، فظهور الحق لا يستلزم الاجتهاد، وعلى تسليم استلزامه لذلك، فليس مقتضيا نفي الجواز، وإنما يقتضي نفي الوقوع.

وعلى الجواز الذي هو قول الأكثر، اختلف هل ثبت أنه يقع، أو لا؟ قال التاج


(١) متفق عليه.
(٢) رواه مسلم وأبو داوود وابن ماجة والإمام أحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>