الثاني: أن يكون الحامل له على الانتقال أمرا دنيويا كذلك، لكنه عامي لا يعرف الفقه، وليس له من المذهب سوى الاسم، كغالب المباشرين، وأركان الدولة، وخدامهم، وخدام المدارس، فمثل هذا أمره خفيف إذا انتقل عن مذهبه الذي كان يزعم أنه متقيد به، ولا يبلغ إلى حد التحريم، لأنه إلى الآن عامي لا مذهب له، فهو كمن أسلم جديدا، له التمذهب بأي مذهب شاء من مذاهب الأئمة.
الثالث: أن يكون الحامل له أمرا دنيويا كذلك، ولكنه من القدر الزائد على ما يليق بحاله، وهو فقيه في مذهبه، وأراد الانتقال لغرض الدنيا الذي هو من شهوات نفسه المذمومة، فهذا أمره أشد، وربما وصل إلى حد التحريم، لتلاعبه بالأحكام الشرعية لمجرد غرض الدنيا، مع عدم اعتقاده في صاحب المذهب الأول أنه على كمال هدى من ربه، إذ لو اعتقد أنه على كمال هدى، ما انتقل عن مذهبه.
الرابع: أن يكون انتقاله لغرض ديني، ولكنه كان فقيها في مذهبه، وإنما نتقل لترجيح المذهب الآخر عنده، لما رآه من وضوح أدلته، وقوة مداركه، فهذا إما يجب عليه الانتقال، أو يجوز له كما قاله الرافعي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ وقد أقر العلماء من انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ حين قدم مصر، وكانوا خلقا كثيرا، مقلدين للإمام مالك ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ.
الخامس: أن يكون انتقاله لغرض ديني، لكنه كان عاريا من الفقه، وقد اشتغل بمذهبه فلم يحصل منه على شيء، ووجد مذهب غيره أسهل عليه، بحيث يرجو سرعة إدراكه والتفقه فيه، فهذا لا يجب عليه الانتقال قطعا، ويحرم عليه التخلف، لأن تفقه مثله على مذهب إمام من الأئمة الأربعة، خير من الاستمرار على الجهل، لأنه ليس له من التمذهب سوى الاسم، والإقامة على الجهل، نقص عظيم في المؤمن، وقل أن تصح معه عبادة.
قال الجلال السيوطي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: وأظن أن هذا هو السبب في تحول الطحاوي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ حنفيا، بعد أن كان شافعيا، فإنه كان يقرأ على خاله: الإمام المزني ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ فتعسر يوما عليه الفهم، فحلف المزني أنه لا يجيء منه شيء، فانتقل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ ففتح الله ـ