للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاستخفاف بالحق لضعف أهله]

الاستخفاف بالحق لضعف أهله (الحادية عشرة) : الاسْتِدلالُ على بُطْلانِ الشَّيء بأخذِ الضُّعَفاءِ بِهِ، وضَعفِ فَهم من أخَذَ به، على ما يَدُلُّ عليه قولُ قومِ نوح له كما حَكاه عنهم الكِتابُ الكريمُ. قَالَ تَعالى في سورةِ [الشُّعراءِ: ١٠٥- ١١٥] : {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ - إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ - إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ - فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ - وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ - فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ - قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ - قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ - وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ - إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الشعراء: ١٠٥ - ١١٥]

فانْظُرْ إِلَى قومِ نُوح كَيفَ اسْتنكَفوا مِن اتِّباعِ نَبِيِّهم لِسَبَبِ اتِّباعِ الضُّعفاءِ له، وَذَلِكَ لِكونِ مَطْمَحِ أنظارِهِم الدُّنْيا، وإِلا لو كانت الآخرةُ هَمَّهم، لاتَّبَعوا الحَقَّ أيْنَما وَجَدوهُ، ولكن لِجاهِلِيتِهم أعْرَضوا عَن الحَقِّ لاتِّباعِ شَهَواتِهِم، وانْظُرْ إلى هِرَقْلَ لَمَّا كان من العَقْلِ والبَصيرةِ على جانبٍ عظيمٍ، اعتقدَ اتِّباعَ الضُّعفاءِ دليَلاَ على الحَقِّ. فقال في جُملةِ ما سألَ أبا سُفْيانَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. "وَسَألْتُكَ عن أشْرافِ النَّاسِ اتَّبَعوه أم ضُعفاؤهم؟ فَذَكَرْتَ أنَّ ضُعَفاءَهم اتَّبَعوه، وهم أتْباعُ الرُّسُل".

ومِثْلُ ذلكَ قوله تَعالى في سُورةِ [هُوْدٍ: ٢٥-٢٧] : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ - أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ - فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} [هود: ٢٥ - ٢٧]

[وصم أنصار الحق بما ليس فيهم]

وصم أنصار الحق بما ليس فيهم (الثانية عشرة) من خصالِ أهل الجاهلية: رمي مَنِ اتَّبَعَ الحَقَّ بِعَدَمِ الإِخلاصِ، وطَلَبِ الدُّنيا. فَرَدَّ الله عَلَيهم بقولِ نَبِيِّهم الَّذِي حكاهُ الله عن نوحِ في الآيات المذكورة في المسألةِ الحاديةَ عشرةَ، بقوله [الشعراء: ١١١- ١١٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>