قولهم بالتعطيل (الثانية والثلاثون) : القولُ بِالتَّعطيلِ، كما كانَ يقوله آل فِرْعَونَ. والتَّعطيلُ: إنكارُ أنْ يكونَ لِلعالَمِ صانِع، كما قال فرعونُ لِقومِهِ [القصص: ٣٨]{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص: ٣٨] ونحو ذلكَ، ولم يَخْلُ العالَمُ عن مثلِ هذهِ الجَهالاتِ في كُلِّ عَصرٍ مِنَ العُصورِ، وأبناءُ هذا الزَّمانِ إلا النَّادِرَ على هذه العَقيدةِ الباطِلة، ولو نَظَروا بِعينِ الإِنصافِ والتَّدَبُّرِ، لَعَلِموا أنَّ كُلَّ مَوجودٍ في العالَمِ يَدُلُّ على خالِقهِ وبارِئه:
وفي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تدُلُّ على أنَّهُ واحِدُ
ومِن أينَ لِلطَّبيعَةِ إيجادُ مِثل هذِهِ الدَّقائِقِ التي نَجِدُها في الآفاقِ والأنْفُسِ، وهي عَديمَةُ الشُّعُورِ لا عِلْمَ لَها وَلا فهْمَ تَعَالى الله عَمَّا يَقولونَ عُلوًّا كَبيرًا.
[الشركة في الملك]
الشركة في الملك (الثالثة والثلاثون) : الشركَةُ في المُلْكِ، كما تَقولهُ المَجوسُ، والمجوسُ أُمَّة تُعَظِّمُ الأنوارَ والنِّيرانَ والماءَ والأرضَ، ويُقرُّونَ بنُبُوَّةِ زرادِشْتَ، وَلَهُم شَرائِعُ يَصيرونَ إليها. وهم فِرق شَتى: مِنهم المَزْدَكِيَّةُ أصحابُ مَزْدَكَ المُوْبَذ، والمُوْبَذُ عندهم العالِمُ القُدوةُ، وهؤلاءِ يَرونَ الاشتِراكَ في النِّساءِ والمَكاسِبِ كما يشترَكُ في الهَواءِ والطُرُقِ وغيرها.
ومِنهم الخُرَّميّة أصحابُ بابِكَ الخرمى. وهم شَرُّ طوائِفِهم، لا يُقِرُّون بِصانِعٍ ولا مَعادٍ ولا نبوَّةٍ ولا حَلالٍ ولا حَرامٍ، وعلى مذهبِهِم طوائِفُ القرامطة والإسماعيلية والنصيرية والكيسانية والزرارية والحكمية وسائر العبيدية الذين يسمون أنفسهم الفاطمية، فكل هؤلاء يجمعهم هذا المَذهَبُ، ويتَفاوَتونَ في التَّفصيلِ، فالمجوسُ شُيوخُ هؤلاءِ كلِّهِم، وأئمتُهم وقُدوتُهم، وإن كانَ المَجوسُ قد يَتَقَيَّدونَ بأصلِ دِينهم وشَرائِعِهم، وهؤلاءِ لا يَتقَيَّدونَ بِدينٍ مِنْ دياناتَ العالم ولا بِشَريعَةٍ مِن الشرائع.