خَصائِصهِم التي فُصِّلَتْ في غيرِ هذَا المَوضعِ، فالجاهِلِيَّةُ لم يُمَيِّزوا بَين القِياس الصحيح والفاسِدِ، ولا عرفوا الجامع ولا الفارِق، كما سَمِعتَ مِن قِياسِهم الرّسُل على غَيرِهِم، وهَكَذا أتْباعُهُمُ اليومَ ومَن هو على شاكِلَتِهمْ.
[الغلو في الصالحين]
الغلو في الصالحين (السادسة عشرة) : الغُلوُّ في الصَّالِحينَ مِن العُلَماءِ والأولِياء، كقوله تَعالى في سورة [التوبة ٣٠- ٣٢] : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ - اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ - يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[التوبة: ٣٠ - ٣٢] فاتِّخاذُ أحبارِ النَّاسِ أرْبابا يُحَلِّلونَ وَيُحَرِّمونَ، وَيَتَصَرَّفونَ فِي الكَونِ ويُنادَونَ في دَفعِ ضُرٍّ أو جَلْبِ نَفْعٍ مِن جاهِلِيةِ أهل الكِتابِيِّينَ، ثُمَّ سَرى إلى غيرِهِم من جاهِلِيَّةِ العَرَبِ، ولهمُ اليومَ بقايا في مَشارقِ الأرضِ ومَغارِبِها، تصديقًا لِقولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَتَتَّبِعُنَّ سَنن مَنْ كانَ قَبْلَكُم» الحديث، حَتّىَ نَرى غالبَ النَّاسِ اليومَ مُعْرِضينَ عن الله، وعن دينه الَّذِي ارْتَضاه، مَتَوَغِّلينَ في البِدَع، تائِهينَ في أودِيَة الضَّلالِ، مُعادينَ لِلْكِتابِ والسُّنَّةِ ومَن قامَ بِهما، فأصْبَحَ الدينُ مِنهم في أنينٍ، والإِسلامُ في بَلاءٍ مبيِنِ. وحسبُنا الله، ونعْمَ الوَكيلُ.