للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجاهِلِيَّةِ، وَعِلْيَةِ القوم وكَثير مِنَ النَّاسِ، لا يَعْتَقِدُ الحَقَّ إلاَ مَعَهُ، لا سِيَّما أرباب المذاهِبِ، يَرى كلُّ أهلِ مَذْهَبٍ أنَّ الدِّينَ مَعَه لا يَعْدوهُ إلى غيرِه، وكل حزب بما لديهم فرحون.

وكل يَدَّعي وَصْلا بِلَيْلى ... وَلَيْلى لا تُقِرُّ لَهُمْ بِذاكا

والحَزْمُ أنْ يَنْظُرَ إلى الدَّليلِ، فما قام عليه الدَّليلُ، فهو الحَقُّ الحَريُّ أن يُتَلقَّى بالقَبولِ، وما لَيْسَ عَلَيْهِ بُرْهان ولا حُجَّةٌ يُنْبَذُ وَراءَ الظهورِ، وكلُّ أحَدٍ يُؤخذ من قَولهِ ويُرَدُّ إِلا مَنِ اصْطفاه الله لِرِسالَتِهِ.

[ادعاء كل طائفة حصر الحق فيها]

ادعاء كل طائفة حصر الحق فيها (الخامسة والعشرون) : أنهم لَمَّا سَمِعوا قولَه صلى الله عليه وسلم في حَديثِ الافْتِراقِ: «وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي إلى ثَلاثٍ وَسَبْعينَ فِرْقَةً، كُلُّها في النَّار إلاَ واحِدَة» ادَّعى كُلُّ فِرْقَةٍ أنَّها هِي النَّاجِيَةُ كما حَكى الله عَن اليهودِ والنَّصارى في قوله تعالى [البقرة: ١١٣] : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: ١١٣] مَعَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ في آخِرِ الحَديثِ المُرادَ مِنَ الفرْقَة النَّاجيَةِ، فقالَ: «وَهُمْ ما كُنت أنا عَلَيه وَأصْحابِي» أو كما قال. وَرَدَّ الله تَعالى عليهم بقولِهِ [البقرة: ١١١-١١٢] : {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ - بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ١١١ - ١١٢] والمَقصودُ أنَّهم لَيْسَ لَهم بُرهانٌ على هذهِ الدَّعْوى، بَلِ الدَّليلُ على خِلافِ ذلِكَ. وَأبو العَبَّاس تَقيُّ الدِّينِ تكَلَّمَ على حَديثِ الفِرَقِ في كِتابِهِ (مِنهاجِ السُّنَّةِ) بِما لا مَزيدَ عَلَيه، حَيثُ اسْتَدَلَّ بهِ الرَّافِضيُّ على حقية مَذهبهِ وبُطلانِ مَذهب أهل السُّنَّةِ، فراجِعْهُ إنْ أرَدْتَه (١) .


(١) وقد ازدان (منهاج السنة) بالتعليقات النفيسة على مختصره للحافظ الذهبي الذي سماه (المنتقى من منهاج الاعتدال) . نشرته المطبعة السلفية سنة ١٣٧٤ وأعيد طبعه منقحًا سنة ١٣٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>