تفْسيرُ هذه الآية:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ}[الأنعام: ٩١] شُروع في تَقْريرِ أمْرِ النُّبُوَّةِ، بَعْدَ ما حَكى الله سبحانَه عن إبراهيمَ عليه السلام أنَّه ذَكَرَ دَليلَ التوَحيدِ وإبطالِ الشِّركِ، وَقَرَّرَ سبحانَه ذلكَ بأفصح الدَّليلِ بأوْضَحِ وَجهٍ.
{حَقَّ قَدْرِهِ}[الأنعام: ٩١] أيْ: حَقَّ مَعْرفتِهِ وعن بعضِهِم: ما عَظَّموا الله حَقَّ تَعْظِيمِه إِذْ قَالُوا منْكرينَ لبعثةِ الرُّسُلِ وإنزالِ الكُتُبِ، كافِريْنَ بِنعمةِ الله الجَليلةِ فِيهما:{مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٩١] أيْ: شَيئًا مِن الأشياءِ.
واختُلِفَ في قائِل ذلكَ القَولِ الشَّنيعِ: فَعَن مُجاهِدٍ أنِّهم مُشرِكو قُريشٍ، والجمهورُ على أنهمُ اليَهودُ، ومُرادُهُم مِن ذَلِكَ الطَّعْنُ في رِسالتِهِ صلى الله عليه وسلم على سَبِيلِ المُبالَغَةِ.
فَقيلَ لَهم على سبيلِ الإِلزامِ:{قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى}[الأنعام: ٩١] فإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ أنْزَلَ التَّوراةَ على موسى عليه السلام وَلاَ سَبيلَ لَكم إلى إنكارِ ذلِكَ، فَلِمَ لا تُجَوِّزونَ إنزالَ القُرآنِ على مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.؟ والكلامُ في إثْباتِ النُّبُوَّةِ مُفَصَّلٌ في غيرِ هذا الموضِع، والمقصودُ أنَّ إنكارَها مِن سَنَن الجاهِلِيَّةِ، وفي النَّاسِ كَثيرٌ مِمَّن هو على شاكِلَتِهم ومُعْوَجِّ طَريقهِم.
[جحودهم القدر واحتجاجهم به على الله]
جحودهم القدر، واحتجاجهم به على الله (الخامسة والثلاثون) : جحودُ القَدَرِ، والاحْتِجاجُ بِهِ على الله تَعالى ومعارَضَةُ شرعِ الله بِقَدَرِ الله. وهذهِ المَسألَةُ مِن غَوامِض مَسائلِ الدِّينِ، والوُقوفُ عَلى سِرِّها عَسِر إلا على من وَفَّقَه الله تَعالى. ولابنِ القيِّمِ كِتاب جَلِيْلٌ في هذا البابِ سمَّاه (شِفاءَ العَليل في القَضاءِ والقَدَرِ والحِكْمَةِ والتَّعْليلِ) . وقد أبْطَلِ الله