{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩] أيْ: مِن عَرَفَةَ، لا مِنْ مُزْدَلِفَةَ. والخطابُ عامٌّ، والمقصودُ إبطال ما كان عليه الحُمْسُ مِنَ الوُقوفِ بِجَمعٍ. فَقَدْ أخرجَ البُخاريُّ ومُسْلِمٌ عَن عائشةَ رضي الله عنها قالت: «كانتْ قُرَيشٌ ومَنْ دانَ دِيْنَها يَقِفونَ بِالمُزْدَلِفَةِ، وكانوا يُسَمَّونَ الحُمْسَ، وكانت سائرُ العَرَبِ يَقِفونَ بِعَرَفات، فَلَمَّا جاءَ الإِسلامُ، أمرَ الله نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أنْ يأتيَ عرفات، ثُمَّ يَقفَ بها، ثُمَّ يُفيضَ مِنها، فَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحانه: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩] » وَمَعْناها: ثُمَّ أفِيضوا أيُّها الحُجَّاجُ مِنْ مَكانٍ أفاضَ جِنْسُ النَّاسِ مِنْهُ قَديما وَحَديثا، وَهو عَرَفَةُ، لا مِنْ مُزْدَلِفَةَ.
[تعبدهم بترك الطيبات من الرزق]
تعبدهم بترك الطيبات من الرزق (الخامسة والستون) : تعَبُّدُهُمْ بِتَركِ أكْلِ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ، وَتَرْكِ زِيْنَةِ الله التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ. قال تعالى في سورةِ [الأعْرافِ: ٣١-٣٢] : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ - قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣١ - ٣٢] وسببُ النُّزول- على ما رُوِيَ عن ابنِ عبَّاس - أنه كانَ أُناسٌ مِنَ الأعْرابِ يَطوفونَ بِالبيتِ عُراةً، حَتىَّ إنْ كانتِ المرأةُ لَتَطوفُ بالبيتِ وهي عُريانةٌ، فَتُعَلِّقُ على سفْلِها سُيُورا مِثل هذه السُّيورِ التي تكونُ على وَجْهِ الحُمْرِ من الذُّبابِ، وهي تقول:
اليومَ يَبدو بعضُه أوْكُله ... وما بَدا مِنه فَلا أُحِله
فأنزل الله تَعالى هذه الآية: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: ٣١] إلخ. {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [الأعراف: ٣١] مِمَّا طابَ لَكُمْ، قال الكَلْبِيُّ: "كانَ أهلُ الجاهِلِيَّة لا يأكلونَ مِنَ الطَّعامِ إلا قُوتا، وَلا يَأكُلونَ دَسَمًا في أيَّامِ حَجِّهِمْ، يُعَظِّمونَ بِذَلِكَ حَجَّهُمْ، فقال المُسْلِمونَ: يا رَسُول الله! نَحْنُ أَحقُّ بِذَلِكَ، فأنزلَ الله تَعالى الآية". ومِنْهُ يَظْهَرُ وَجْهُ ذِكْرِ الأكْلِ والشُّرْبِ هُنا {وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١] بِتَحْريمِ الحَلال، كَما هو المُناسِبُ لِسَبَب النُّزولِ أَوْ بالتَّعَدِّي إلى الحَرامِ. {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: ٣٢] مِنَ الثيِّابِ وكُلِّ ما يُتَجَمَّلُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute