تحريف كتب الدين (الثانية والعشرون) : تَحْريفُ العلماءِ لكتُبِ الدِّين. قال الله تَعالى [البقرة: ٧٨-٧٩] : {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ - فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}[البقرة: ٧٨ - ٧٩] وَمَن نَظَرَ إلى قُضاةِ هذا الزَّمانِ (١) وما تَلاعَبوا بِهِ مِن الأحكامِ، وصَرْفِ التصرف إلى ما تَهْواهُ أنْفُسُهم، وتبديلِ الحَقِّ وإبطالِهِ، بِما يَنالونَه من الرشى وغيرِ ذلكَ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ اليومَ، تبيَّنَ لَه من ذلك بحرٌ لا ساحلَ لَهُ وَهكَذا بعضُ المُبتَدِعَةِ وغلاةُ القُبورِ، وقد بُيِّنَ حالُهُم في غيرِ هذا الموضعِ.
[الانصراف عن هداية الدين إلى ما يخالفها]
الانصراف عن هداية الدين إلى ما يخالفها (الثالثة والعشرون) : وهي من أعجَبِ المسائلِ والخصالِ مُعاداةُ الدِّين الذي انْتَسَبوا إليهِ أشَدَّ العداوةِ، ومُوالاتهم لِمَذْهَبِ الكُفَّارِ الذينَ فارَقوهم أكْمَلَ الموالاة، كما فَعَلوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لمَّا أتاهُمْ بِدينِ موسى، واتَّبَعوا كُتُبَ السِّحْرِ، وَهو مِن دِينِ آلِ فرعونَ ومثل هؤلاء في الأمة الإسلامية كثير، هجروا السنة، وعادوها، ونصروا أقوال الفَلاسِفَةِ وأحْكامَهُمْ.
[كفرهم بما مع غيرهم من الحق]
كفرهم بما مع غيرهم من الحق (الرابعة والعشرون) : أنَّهُم لَمَّا افْتَرقوا، وَكلّ طائِفَةٍ لا تَقْبَلُ مِنَ الحَقِّ إلاَ ما قالَتْهُ طائفتهُم، وكَفَروا بِما مَعَ غَيرِهِم مِنَ الحَقِّ، قالَ تَعالى في [سورة البَقَرَةِ: ١١٣] : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[البقرة: ١١٣] ولا شَكَّ أنَّ هذِهِ مِنَ خِصالِ
(١) المؤلف رحمه الله عاصر الدولة العثمانية؛ ويذكر المشاهد في زمنه.